Thursday 4th July,200210871العددالخميس 23 ,ربيع الثاني 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

نوافذ نوافذ
ابنة الحظ
أميمة الخميس

من أين تأتي كل هذه الفتنة؟ هذا هو السؤال الذي يتقمصني وأنا أقرأ أعمال الروائية «التشيلية» إيزابيل الليندي، أجواء أخاذة وشخوص مفعمون بالحياة ومأزقها الوجودي الكبير وصراع مع الأقدار له طابع الملاحم الإغريقية القديمة ولكن بلمسة سحرية لا تشبه سوى أعمال هذه الروائية اللاتينية المذهلة.
تعتمد إيزابيل الليندي في هيكلها الروائي على الهيكل الكلاسيكي التقليدي حيث الشخصية الرئيسة التي تتصادم أقدارها مع العديد من الشخصيات فتكوّن بناء روائياً متماسكاً على مستوى تسلسل الأحداث ونضوج الشخصيات وتوهجها والمسارات التي تندرج فيها الأحداث بانسيابية ودقة وحرفية كتابية نادرة، فروايتها الشهيرة «بيت الأرواح» هي سرد لسيرة ثلاثة أجيال متتابعة في أسرة برجوازية تواجه ضغوطات وتغيرات اجتماعية كبيرة.
وقد لاتخرج روايتها «ابنة الحظ» عن هذا النمط كثيراً من حيث تقديمها لقصة حياة عائلة إنجليزية مهاجرة إلى تشيلي، وجميع المفارقات والأقدار العجائبية التي تترصد بها هناك، التي من أهمها تبني تلك العائلة لقيطة يكون لها دور كبير في أقدارها لاحقاً، حينما تفر تلك الفتاة إلى الولايات المتحدة في زمن اكتشاف الذهب في كالفورنيا وبزوغ المدن السريع والعشوائي حول مناجم الذهب، مع جميع ما صاحب هذا البروز من تناقضات اجتماعية واقتصادية ساهمت في تحويل حياة العديدين في زمن الذهب ذلك.
والكاتبة الليندي من مواليد عام 1942م ابنة لعائلة برجوازية حاكمة في تشيلي وقد يبرز هذا واضحاً في رواياتها فعلى الرغم من ميلها لتبني الطروحات اليسارية الاشتراكية إلا أنها سرعان ما تتقهقر إلى المنزل الكبير أو القصر من حيث كونه الملاذ الوحيد الآمن مقابل وحشة العيش والبؤس في الخارج.
فتصوِّر روايات الليندي حياة القصور بالترف والأحاسيس الفنية المرتفعة من ناحية الأثاث والملابس والتعاطي مع الحياة، وما ان تخطو خطوة واحدة خارج هذه القصور حتى تصدمنا بمظاهر الفقر والبؤس والانحدار السلوكي والخلقي.
على كل حال هي تكتب عن طبقتها وخلفيتها الاجتماعية بشكل يعزز براعتها الفنية النادرة، ولعل الوقود الذي كان يغذي هذه الجذوة الفنية النادرة هو مأساة فقدها لابنتها، فتحكي عن تلك التجربة المأساوية التي مرت بها فتقول، حينما ماتت ابنتي كنت أمام خيارين إما أن ألحق بها أوأن أحول هذا الوهج المحرق بداخلي إلى وقود للحكايات..
ويبدو أن الخيار الأخير هو الخيار الذي اختارته الليندي لتخرج إلى العالم قطعاً فنية نادرة وفي غاية الروعة.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved