واصلت معظم الصحف العبرية تعليقها على خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش مشيرة الى انه رغم تحامله الواضح على الفلسطينيين وقيادتهم وانحيازه التام لإسرائيل لا ينبغي له أن يكون مدعاة للفرح والسرور في إسرائيل.
خطاب صهيوني
ففي صحيفة «معاريف» كتب «أفراهام تيروش» مقالا بعنوان: «علام الفرح؟» جاء فيه: انتظر العالم كله وخاصة في منطقتنا ما سوف يقوله الرئيس بوش بلهفة بالغة، وعندما ألقى خطابه انطلقت في إسرائيل هتافات الفرح، وكأن فرنسا قد خسرت مرة أخرى بطولة ما أو كأن إسرائيل قد حصلت على تصنيف مرتفع جديد في الائتمان الدولي وفي حقيقة الأمر فإن رد الفعل الأولي الحقيقي على خطاب بوش هو الفرح والرضا احتفال فعلي فهذا الرئيس معنا أكثر من أي وقت مضى لم نسمع خطابا صهيونيا كهذا منذ فترة كبيرة ولا حتى في المؤتمر الصهيوني الذي عقد الأسبوع الماضي في القدس لقد تحامل بوش على الفلسطينيين بشدة، وخاصة على عرفات دون أن يذكر حتى اسمه ولو مرة واحدة، ولم يحاول الحفاظ حتى على توازن شكلي كانت كل الضربات والمطالب الصعبة في الخطاب موجهة نحو الفلسطينيين، وأما فيما يخص إسرائيل فقد كانت هناك مطالب واهية، ومستقبلية وبدون جدول زمني صلب، وبدون العودة إلى حدود 1967 صحيح أن الرسالة الرئيسية في الخطاب تقول نعم لدولة مستقلة للفلسطينيين.
لكن هذا أيضا بعد أن يلبوا فقط شروطا قاسية؛ مع وجود لا قاطعة لعرفات، واستطرد الكاتب يقول: حسن ولكن بعد أن نهدأ من غمرة الفرحة الأولية، ومن الهتافات الاحتفالية ينبغي علينا أن نتساءل: وما الذي يقوله العقل والمنطق السليمان؟ إن العقل والمنطق يقولان إنه ليس مضمونا أن يحقق لنا هذا الخطاب العنيف الموالي لإسرائيل خيرا أو بركة أو سلاما وإنما ربما حتى العكس، وثمة شك كبير أيضا في أن يساهم في إزاحة رئيس السلطة الفلسطينية، وربما يؤدي هذا الخطاب أيضا إلى عكس ذلك إن معظم الإسرائيليين حتى اليساريين منهم يتفقون اليوم على أنه ليس ثمة فرصة للتحدث مع عرفات.
وعلى وجوب اختفائه من الساحة (ليس عن طريق تصفيته)، ولكن إزاحة رئيس في نظر شعبه من مكانه ومن وظيفته أمر لا يمكن أن يتم بأوامر من واشنطن حتى لو كان الجالس في البيت الأبيض حاويا أو ساحرا أوخارقا أو حتى «ملك العالم» إن عملية الإزاحة هذه عمل دؤوب وصعب ينبغي أن يتم خطوة خطوة، وبصبر وسرية، ومن خلال تهيئة الفلسطينيين، وإعداد الخلفاء اللائقين، - ويخيل أن ثمة خطوات تجري في هذا الشأن - وليس من خلال ضربة فأس (خيالية).
واختتم الكاتب مقاله بالقول: الأكثر من ذلك بما أن الرسالة الفرعية في خطاب بوش هى: ليست لدي رغبة للتورط في داخل المستنقع الشرق أوسطي القذر، ولذا وضعت للفلسطينيين شروطا تعجيزية غير قابلة للتحقق ولأن الأفق السياسي الذي يرسمه الرئيس بعيدا ولا يمكن الوصول إليه بسبب الموانع العديدة فإن إمكانية أن يؤدي الخطاب إلى زيادة «الإرهاب» والقتل أكبر من إمكانية أن يسهم في إعادة الأطراف إلى طاولة المفاوضات إذن ما الذي يدعو هنا إلى الفرح؟.
تصرف غير مسؤول
وفي جريدة «هاآرتس» عقب «جدعون سامت» على خطاب بوش في مقال تحت عنوان: «خطوة أخرى إلى لا مكان» جاء فيه: «الفائدة العملية الوحيدة التي يتضمنها النص غير المجدي للرئيس بوش هو أننا نعرف الآن بشكل رسمي على من وقعت القرعة الشرق الأوسطية في واشنطن، لقد أحضر زعيم الغرب لملايين الإسرائيليين الآخذين في افتقاد الأمل في تسوية النزاع بشكل سياسي - أحضر تصديقا رسميا بأنه لن تكون هنا حتى بداية تحرك سياسي. وفي خطوة أخرى الى المجهول قال لهم في واقع الأمر: «لتعيشوا على السيف» وقتا أطول، ولم يقل لهم: لقد اخترتم الحياة، وليس هذا من قبيل المصادفة فهذا هو الشكل الذي يفهم من خلاله الرئيس بوش المصلحة الأمريكية إن لبوش مصلحة عليا في ترتيب الأمور مع الاتحاد الأوروبي، وإلا فلماذا أجل تماما موقفه الغريب، ولماذا ألقى إلى سلة المهملات بكل مبادرات الدول العربية الرئيسية؟ لأن المصلحة العليا للرئيس تقتضي الآن أن يجتاز بسلام الانتخابات المرحلية (للكونجرس) في نوفمبر، وإعادة انتخابه بعد سنتين بدون الإذلال الذي تعرض له في الانتخابات السابقة والذي كان بوسع بضعة آلاف من أصوات اليهود في فلوريدا أن تجنبه إياه.
واستطرد الكاتب يقول: ثمة مشاريع سياسية ذات قيمة لكنها عسيرة التنفيذ منها اتفاق أوسلو، وخطة كلينتون، وثمة كلام، كما لدى بوش، لا يمكن معرفة ما الذي يمكن عمله حياله، كلام غير قابل للتنفيذ، ومشبع بشروط تفتقد أية إمكانية، وهدفها ليس حل المعضلة وإنما الالتفاف عليها.. لقد كانت هناك فرصة أخيرة لفعل شيء ما مجد في موضوع النزاع لكن بوش مثله مثل الفلسطينيين لم يترك فرصة إلا وضيعها لقد تصرف بدم بارد وبلا مسؤولية تجاه المتطلبات الحقيقية لإدارة الصراع لكن هذه هى الواقعية السياسية التي يفضل العمل طبقا لها، وستتضح أضرار خياراته، رغم رؤيته العامة في القريب لقد ألقى عرفات بمجرد كلمات عندما علق بلا خيار وقال إن الخطاب «إسهام جاد من أجل السلام» لكن لا يوجد لهذه المقولة شركاء في كل القيادة الفلسطينية كما عزز بوش موقف شارون المتشدد بل وتبناه بالفعل، ومن شأن خطابه أن يعزز إصرار «الإرهاب» بدلا من إضعافه.واختتم الكاتب مقاله بالقول: إن اللهجة التي سادت الخطاب من خلجات قلب بوش ونائبه «تشيني» وغلاة اليمين في «البنتاجون» من شأنها أن تعزز لدى إسرائيليين عديدين أيضا الشعور بالطريق المسدود وحتى باليأس فليس لدى بوش جداول زمنية واضحة فإلى متى ستستمر الإجراءات العسكرية (الإسرائيلية ضد الفلسطينيين) وحدها دون أن يواكبها إجراء سياسي؟ تقريبا: حتى تتضح شروط بوش بمعنى _ الشيطان وحده يعرف، وقد بقيت أمام أقلية إسرائيلية، ما تزال غير مستعدة لقبول هذه القدرية مسار ضيق نحو إحداث تغيير ما فرغم الظروف السياسية الثقيلة للغاية فإن هذه الأقلية من حقها أن تأمل أن يرسم حزب العمل، وشمعون بيرس على الأقل طريقا يتجاوز هذه الورطة الخطيرة وبديلا سياسيا عن طريق الانسحاب من ائتلاف الحرب، والفرصة الضئيلة لأن يحدث مثل هذا الإجراء هي سبب آخر لأن تستمر إسرائيل في أن تكون مغروسة في مستنقع عسكري سياسي، اقتصادي - معرفي لفترة كبيرة من الزمن.
|