اعتمد الإعلام الأمريكي عموما، على تأطير لغة الخطاب الإعلامي لديه على مستوى مرتفع من الإثارة والصخب المدرجة فوق طبقات عالية من الضوضاء والتي تكفل بقاء المشاهد أطول وقت ممكن بين يديها وحتى لا يتسرب «في ظل المنافسة الحامية لديهم»، من بين يديهم وينتقل إلى محطة إخبارية أخرى.
لذا بقاء المتفرج مسمرا مشدوها متعلق الأعين بالتلفاز هو الغرض الرئيسي لتمرير الكم الأكبر من الدعايات حول السلع أحيانا وحول سباق الانتخابات أحيانا أخرى سيان، ولكن المهم هو أن يبقى المشاهد أطول فترة ممكنة أمام شاشة التلفاز وهو الجهاز الذي يصنع بالتأكيد روح أمريكا وعلاقتها مع العالم من حولها.
وتحاول المؤسسات الإعلامية هناك أن تقدم مادتها الإعلامية تحت قوانين صارمة من الموضوعية والشفافية تلك الموضوعية التي باتت عرضة للمساءلة وحام حولها العديد من علامات الاستفهام على المستوى العالمي لاسيما بعد تغطيتها الإخبارية الهزيلة والمبتسرة للأحداث في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي تبدي من خلالها بصورة واضحة تلاشي الطرح الإعلامي الجاد والمتحرر من الميول والأهواء الصهيونية.
على كل حال تلك قضية قديمة وتعرضت للطرح والنقاش بصورة كبيرة حتى باتت من المسلمات الموجعة والتي تدعو إلى الغيض في جميع الأحوال.
ولكن المفارقة تظهر عندما تطالب أجهزة ومؤسسات الاعلام ولجان من الكونجرس الأمريكي جميع الدوائر الإعلامية في العالم أن تتبع خطاها كالأنموذج الإعلامي الأمثل وآخر ما توصلت إليه الحضارة البشرية في فن الإعلام.
والسياسة الإعلامية المحلية لدينا تتبنى منهج الصمت المتحفظ والعمل في الظلال وبعيدا عن الأضواء ولعل هذا المنهاج يتوافق مع التركيبة السيكلوجية للفرد السعودي، الذي يبدي نوعا من الوقار والتحفظ على مستوى التعامل الرسمي، مع الحذر من الخطوات المتعجلة اللاهثة والتفسيرات والتصريحات العشوائية التي تلقى جزافا وبلا طائل.
ان هذا الأمر يغور عميقاً في تركيبتنا النفسية والوجدانية وكانعكاس للبيئة الصحراوية على فلسفتنا في الحياة ومنها انتقلت إلى الجانب السياسي ومن ثم أثمرت على الكثير من المستويات حتى باتت تعرف على المستوى العربي بالأسلوب السعودي الهادئ والمتزن.
شكلان يتقاطعان ويختلفان كما تختلف ملامحنا وألوان بشرتنا وتضاريس بلادنا، هذا الاختلاف هو الأساس الذي تقوم عليه السياسة في الولايات المتحدة... اختلاف التعدد ولكن التعايش في نفس الوقت وقبول الآخر.
فلماذا عندما تصل إلى تخومنا تتحرر من هذا وتبدأ وسائل إعلامها تحاسبنا وفق منطلق ضيق واحادي ومحدود الرؤيا وينم عن عقلية عسكرية جافة وسطحية؟؟؟.
لكم دروبكم .. ولنا مسالكنا.. ولا يمنع هذا أن نلتقي نتقابل نتقاطع نتوازى.. دون أن نتطابق.
|