لم يكن السؤال كيف حدث هذا؟
إنَّ السؤال لماذا حدث هذا؟
وكلُّ إنسان يقدِّم كيفَ السؤالِ على سببه، مع أنَّه لم يكن من طبيعة الأشياء أن تتكيَّف قبل أن تتسَّبب...
فالسَّببية منطلق الكيفية...
فهب أنَّ لك إنساناً تحبه، ولا تستطيع العيش بدونه، وتتلهف أن تسمع أخباره، وتنْفذ إليه من كلِّ باب... تدفعك مودَّتك له، ولا تجد ما يبرِّر لك هذا إلاَّ هذه المودة...، وفجأة تجد أنَّك تهرب منه على قدر شوقك إليه، وتختفي عنه مع بالغ ألمك من الحنين إليه، هو معك في كلِّ لحظة، ولا يغادرك في أيّة منها... ألا يدعوك هذا أن تتوقع من صديقك أن يسأل عن السبب الذي غيَّر موقفك قبل أن يطرح أمام رؤيته أمر البحث عن كيفية موقفك؟ فيذهب يفكر في كيف يفعل صاحبي هذا معي؟ دون أن يوجِّه إلى نفسه السؤال الأهم: لماذا يفعل صاحبي هذا؟... فهو إن سأل لماذا؟.. حاصر نفسه حصار العادل، إذ سوف يجد من الأسباب التي أقامها هو، وكوَّنها بفعله هي ذلك الحاجز الذي يقف بينه وبين من يحب...، وهي العامل الذي دفعك لأن تهرب منه على الرغم من أنَّه حاضر ماثل في لحظاتك كلِّها!...
وهب أن رئيساً غيَّر موقفه من مرءوسه، فبدل أن يرحِّب به صدَّ عنه، وبدل أن يمنحه مزيداً من الثقة سلبها منه...، فيذهب هذا المرءوس يتفِّكْر في كيفية تعامل رئيسه الجديدة، كيف لم يستقبله، وكيف رفض طلبه هذا أو تجاهل اقتراحه ذلك، دون أن يبحث في أمر السبب الذي غيَّر موقف رئيسه، وبدَّل من فعله معه... ولو أنَّه تمادى في بحث الأسباب فلسوف يجد أنَّه ضليع في صنعها...
وهب... وهب... في كلِّ أمور الحياة...
يبدو أنَّ الناس تجد يسراً في طرح أمر البحث في الكيفية لأنَّها تقع عليهم، وتنالهم بصفات أفعال تنفيذها، وبآثار هذا التنفيذ من ألم، وحيرة، وربّما غضب وضيق، بينما لا يقُدِمون على أمر البحث في «السبب» وراء ما يقع عليهم، ذلك لأنَّ الإنسان جُبل على «رمي» الأمور على غيره، وتجريد نفسه... وذلك أيضاً لأنَّ الإنسان تعوَّد أن يرى الحقَّ له لا لغيره، وحين يراه لسواه فإنَّه حتماً سوف يُقدِّم (لماذا) على (كيف)... ولسوف يكون أكثر عدلاً في محاصرة أخطائه.
|