Saturday 29th June,200210866العددالسبت 18 ,ربيع الثاني 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

وكان النتاج .. سقوطاً وكان النتاج .. سقوطاً
فهد بن عبدالعزيز التويجري

لا أذكر في يوم ما أن المنتخب السعودي قد تعرض لهجوم إعلامي وجماهيري عنيف كما يتعرض له الآن، هذا بالرغم من أن سقوط المنتخب في اليابان لم يكن إلا حلقة صغيرة من سلسلة سقطات عالمية سابقة أمرّ وأدهى.. وأكثر ما يخشاه المتابع الرياضي أن يكون تيار النقد الحالي مؤشراً خطيراً ينذر بظهور تطرف رياضي ينجرف خلف مصالح خاصة، محدودة النظر.. ضيقة الأفق!!
وبالرغم من قساوة السقوط الأخير في المونديال العالمي إلا أن ردة الفعل إعلامياً وجماهيرياً توحي بانتهازية صارخة تكشف بغباء سوداوية المغزى والهدف!!
والمشاركة السعودية الأخيرة في كأس العالم لم تكن أبداً مفاجئة للمتابع الجيد والقارئ المتمكن لمسيرة الكرة السعودية منذ عهد ليس بالبعيد قد لا يتجاوز مشاركتنا الأولى في كأس العالم 94م.
وأقول إن الأداء السعودي لم يكن مفاجئاً لأني أدرك تماماً أن المسافة ما زالت شاسعة بين كرتنا السعودية والكرة العالمية، بل إنها بدأت في السنوات الأخيرة تزداد اتساعاً، وإذا افترضنا بمنطقية أن المشاركة في أكبر بطولة عالمية هي المعيار الحقيقي لارتفاع أو انخفاض مستوى أي منتخب فإن لدينا من الدلالات والمؤشرات التي لا تحتاج إلى خبير رياضي أو غيره ليكشفها تعطينا حقيقة دامغة بأن المستوى الكروي السعودي ينخفض تدريجياً فمن مشاركة جيدة في كأس العالم 94م إلى مشاركة ضعيفة في 98م وأخيراً مشاركة مذلة وفخرية في 2002م.
وهو المستوى الذي لم نكن نقبل بأن نصل إليه.. رغم أن صوت العقل والمنطق كان يحذر دائماً من الوصول إلى المحظور!!! أما وقد وقع الفأس في الرأس فأرى انه من واجب أي مسئول رياضي تهمه المصلحة الوطنية في المقام الأول ألا يقبل بهذا الوضع ويسارع منذ اللحظة بإصلاح ما أفسدته يد المكابرة والمصالح الخاصة!!.
وأحسب أني لست منظراً ولا خبيراً في الشأن الرياضي ولكني متابع رياضي وتهمني سمعة وطني وارتقاء شأنه وقد قرأت وسمعت على مدى الأيام القريبة الماضية الكثير من الآراء لخبراء وإعلاميين رياضيين وكذلك للعديد من الجماهير الرياضية تنقد وتفند وتحلل أسباب السقوط الأخضر في المونديال وإن كنت أرفض تماماً ما يتفوه به بعض الجماهير الغاضبة وتحميلهم المسئولية للاعب معين أو مدرب أو خطة أو إعلام وما شابهه إلا أني بنفس الوقت أعتب على من أطلقنا عليهم خبراء رياضيين سواء من بعض المسئولين في المؤسسات الرياضية لدينا أو من هم داخل بلاط صاحبة الجلالة وخصوصاً من يتبؤون مراكز رئاسة الأقسام أو الصحف الرياضية كون رؤيتهم في تحليل ما حدث لا يذهب بعيداً عما تتداوله ألسنة الجماهير عبر الفضائيات، أما التحليل المنطقي والمبني على دلالات وحقائق ومؤشرات ثابتة فهو معدوم تماماً، والدليل على ذلك أن مستوى الأخضر في المونديال ونتائجه قد فاجأهم فانهالوا على المنتخب نقداً وفي كل الاتجاهات!!
والأمرّ من ذلك أن هناك بعض الصحفيين المخضرمين من كان ينتظر ويمني نفسه بما حدث لا لهدف سام وإنما فقط لينفث سمومه بطريقة قذرة وملوثة بالتعصب والكراهية وهو ما يعطي انطباعاً حقيقياً بانعدام الحس الوطني لديه!!
أما ما خرجنا به من آراء النقاد والمحللين والكتّاب الرياضيين فقد لا يتجاوز جملة أسباب سطحية أو بالأصح ليست جوهرية ولا يتجاوز تأثيرها نسبة بسيطة ومحدودة.
إن ما حدث في اليابان لا يمكن له أن يكون بسبب خطة مدرب أو تشكيلة غير صحيحة أو خطأ لاعب كما لا يمكن أن يكون بسبب الإعداد أو الإعلام أو الإدارة أو ما شابه ذلك، المشكلة أكبر من ذلك بكثير وكان يجب علينا قبل التسابق في ابتداع الأسباب أن نعترف أولاً أن المستوى العام للكرة السعودية هابط، وهذه حقيقة أفرزتها سنوات عدة من المنهجية الخاطئة لمسيرة الكرة السعودية.
ما حدث في طوكيو لا يعد سقوطا مفاجئا بل هو معلوم وواضح وجلي للقارئ الجيد والمتابع الحصيف لمنهجية إعداد اللاعب وتجهيزه لتمثيل منتخب الوطن.
الخط البياني للكرة السعودية ومنذ عام 1996م يتجه للأسفل وبشكل حاد، وللأسف الشديد أن النتائج الرقمية في بطولات ضعيفة خليجية أو آسيوية هي مقياسنا في تحديد مدى تطور كرتنا السعودية، وهذا عين الخطأ .. إذا كنا ننظر للعالمية يجب أن تكون المشاركة العالمية هي المعيار الحقيقي لكرتنا السعودية، وإذا كانت مشاركاتنا عالمياً تزداد سوءاً مرة تلو أخرى فعلينا أن نتلمس الأسباب الجوهرية بدلاً من أن نملأ الصحف والفضاء بكلام مستهلك وسطحي ولا يختلف كثيرا عن رأي المشاهد البسيط..
يجب ان نعترف أولاً أن الكرة السعودية فقدت بريقها وأن النجوم والمواهب تلاشت وأن الملاعب السعودية توقفت عن انجاب اللاعب الماهر منذ اللحظة التي توقفت فيها الجماهير عن الحضور للملاعب، ومنذ اللحظة التي فقدت مباريات أقوى المسابقات لدينا بريقها..
الدوري السعودي بكل صراحة وواقعية وحتى علمية قتل منذ اللحظة التي تم فيها تغيير نظامه السابق واستحداث المربع الذهبي.. ذلك القرار كان بمثابة نقطة البداية لانحدار مستوى الكرة السعودية ومنذ العام 1996م ونحن نجني ثمار ذلك القرار.
قوة أي منتخب كروي تعود بشكل مباشر إلى قوة الدوري ومتى كان الدوري ضعيفاً فالنتاج سيكون ضعيفاً أيضاً.
ومسابقة الدوري في كل أنحاء العالم هي المسابقة الأطول والأقوى وهي الميدان الحقيقي لاكتشاف النجوم والمواهب.. الدوري لدينا ومنذ ثلاثة عشر موسماً مضت يسير ركيكاً ومملاً، يفتقد للإثارة والمتعة والتشويق والمنافسة القوية.
ستة أشهر تمضي سنوياً من عمر الكرة السعودية بلا جاذبية ولا حماس ولا حتى نجوم!!
حتى الجماهير الرياضية عزفت عن الحضور للملاعب بعد أن اختفت المنافسة وقل الحماس وانعدمت الجاذبية وراحت تنتظر المربع الذهبي بحثا عن الإثارة والتشويق والوهج الإعلامي والفضائي..
والأمر الأكثر إيلاماً من ذلك أن الرأي الصريح والواقعي والمبني على دراسة ومتابعة تحليلية يختفي تماماً أمام الاكتساح الإعلامي بشتى صوره لمباريات المربع الذهبي وهو الخدمة الكبرى والذي صوّر لنا الدوري السعودي كأقوى دوري عربي حتى أعمانا ذلك الوهج عن رؤية الحقيقة الدامغة والتي أصبحنا نجني ثمارها موسماً بعد آخر وسقوطاً تلو السقوط ووصل بنا الأمر لما كان عليه الوضع في اليابان.. ليس عيبا أن نخطئ ولكن العيب أن نظل نمارس الخطأ ونكابر ونختلق الأعذار والمسببات، وأتذكر أن أول موسم تم فيه إقرار نظام المربع الذهبي أن هذا النظام المستحدث سيكون قيد الدراسة والتجربة ومن ثم معرفة نتائجه فهل نحن الآن بحاجة إلى أكثر من ثلاثة عشر موسماً رياضياً لمعرفة نتاج هذا النظام، وهل ننتظر سقوطاً أكثر إيلاماً مما حدث في فرنسا والمكسيك وأخيراً اليابان؟!!
وهل سنظل نستمع إلى صوت المنتفعين من هذا النظام والذين لا يرون أبعد من حدود ألوانهم المفضلة ناسين أو متناسين الهدف الأكبر والأشمل؟.
أخيراً.. كبرى مصائب الكرة السعودية هي الدوري بنظامه الحالي وأرى أن أولى خطوات الإصلاح هي العودة للنظام القديم مع الاحترام الكامل لأهمية وخصوصية الدوري والعمل على جدولة مبارياته بالشكل الذي يتيح الفرصة لكل عناصر الفرق بالمشاركة في جميع مبارياته سواء كانوا لاعبي المنتخب الأول أو الشباب، من هنا فقط يمكن لنا أن ننتظر نتاجاً نستطيع من خلاله أن نصل للمستوى الذي يؤهلنا لمجابهة الأبطال وإذا كنا لا نزال نفتقد للاحتراف الخارجي وخصوصا في الدول المتقدمة كروياً فلا أقل من أن نفعل كما يفعل الأوروبيون باحترامهم ومحافظتهم على أهم المسابقات الكروية لديهم.
أما الأسباب الأخرى للسقوط والتي يتداولها الجميع الآن كالاحتراف «الأعرج»، وكثرة المسابقات والبطولات الداخلية والخارجية والأجهزة الإدارية والفنية فهي أسباب لها تأثيرها بالفعل ولكن إصلاح ما أعوج منها لن يفي بشيء ما لم نصلح جوهر الخطأ وأساسه.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved