في طيبة الطيبة، في الأرض التي أُسِّست فوقها الدولة الإسلامية الأولى.. في موقع عُمِّر بأنفاس خير خلق الأرض، وبورك بخطواته صلى الله عليه وسلم ونوِّر بنزول الوحي فيه، وحفَّته ملائكة السماء، وتحلَّق فيه أوائل المسلمين النقيِّين الطاهرين، حيث مسجد خير الخلق كلهم، وقبره، وحيث مآثره عليه أزكى السلام وأجلُّ الصلاة، وحيث ترقد في مثواه أمهات المؤمنين وخلفاؤه رضي اللَّه تعالى عنهم ومجاهدو وأنصار ومهاجرو المسلمين، وأهل الصُّفة، والتابعون، وأولئك البررة من تابعي التابعين.. هناك طِيبة الطَّيبة تفوح مسكاً وزهراً، ونفوساً عمَّرها الإيمان، وقلوباً ملأها اليقين، وصدوراً ترفرف فيها خفقات الحبِّ لهذه الأرض الطَّاهرة المقدَّسة، حيث يحلو لي أن أستمتع بقداستها فلا أطأها بحذاء، ولا أقوى فيها على إلجام الدَّمع، أو هدر اللَّحظة في غير ابتهال لكلِّ ثانية خارج أوقات «العمل» أو عندما تُغْلق أبواب مسجدها المهيب في جلال، وشموخ، وهي تتحرك في مهابة بمهابة مَنْ يرقد في أحد جوانبها في قَبْره الطَّاهر، بعد أن أدَّى الأمانة، وبلَّغ الرسالة، ونشر دعوة اللَّه في أرضه، بكلِّ تواضع، وفداء، وفناء، وصبر، مع زهد في هذه الدنيا التي يلهث إليها من لا يعرف ربَّه، ومن لا يتفكَّر في يوم لقائه.. محمد بن عبداللَّه الصادق الأمين صلى اللَّه عليه وسلم الذي عرف ربَّه حق المعرفة، فأدرك أنَّ الدنيا ماهي إلاَّ طريق بمثل ذلك الذي يعبره من يستظل تحت ظِلْ شجرة، وما يلبث أن يغادرها ويمضي..
في طِيبة الطَّيبة حيثُ مهرجان «العبادة والاستفادة..» حظيتُ بجميل دعوة، من كريم دعاة، أن أشترك معهم في الاحتفاء بأمجاد هذه المدينة الطِّيبة، وأن أُسهم في احتفاليتها السنوية، تلك التي تهدف القلوب والعقول قبل السياحة والمفاخرة.. ذلك أنَّ طيبة لها من الحقوق على أبنائها ما إن فعلوه لم يوفوا، وما إن استجبنا لم نَبْلُغ..
وهي المرَّة الثانية التي أشاركُ في هذا المهرجان.. إذ كانت المرة الأولى في أوَّل عام له حيث لم تكن هناك لجنة نسائية منظَّمة.. بل بذل الإخوة المسؤولون عن المهرجان جهدهم كي ينجح المهرجان وتحقَّق النجاح له. في الوسط العام، ولم تحظ المرأة فيه بكلِّ النجاح.. وذلك شأن البدايات التي تسجَّل بكلِّ ما فيها تسجيلاً جميلاً يبصمُ لها شرف الأولوية وجهد الاجتهاد فيها، حتى استوت لهذا المهرجان لجنة نسائية بذلت الجهد، وأدَّت الواجب في أوسع نطاق البذل من بداية توجيه الدعوات ومتابعتها، وإتمام إجراءات الاستقبال وتنفيذ النشاط وإكرام المستضافات بالسؤال والتفقُّد وتيسير كاَّفة الأمور، وتقديم كلِّ الخدمات حتى الشخصي منها إلى مُغَادرة المدينة الطيِّبة أيِّ من بوابة المطار إلى بوابة المطار حتى إذا ما استوتْ جالسة فوق مقعد الطائرة راودها الحنين للحظاتٍ لا تتكرر في طيبة الطيِّبة برسول اللِّه العظيم عليه الصلاة والسلام وكلِّ مَنْ معه، وَبطيب أهلها وحسن استقبالهم وكريم جهودهم.. ويُضاف إليهم كلُّ الوجوه النسائية الطيِّبة التي جاءت من كلِّ حَدَبٍ وصَوْبٍ على اختلاف معارفها، وعلمها، وتخصصها، ومراحلها الدراسية لتستمع ولتناقش في وعي وحبٍّ وحُسن إصغاء وحميمية احتضان..
تحيّةٌ لأمير المدينة الطيِّبة وحرمه العزيزة لحرصهما على نجاح المهرجان بكلِّ ما يوليانه من اهتمام ودعم، وتحية لمنظِّميهِ والقائمين عليه، وللعزيزة الشريفة طيبة الإدريسي المسؤولة عن اللَّجنة النسائية وفريق العمل المتطوِّع معها لكلِّ لحظة جهد، وبذل ركض وسهر في بِشْرٍ وسعادة وعطاء جميل، ولكلِّ من ساهم ظاهراً أو خفيّاً من أجل نجاح هذا المشروع الكبير ببرامجه المنوَّعة، بكلِّ الشخصيات التي تشاركُ فيه، بموضوعاته الفكرية والأدبية والعلمية المتنوعة المثرية، بكلِّ رحلاته وبرامجه وسياحته في أرجاء طيبة الطيِّبة..
وفَّقهم اللَّه تعالى وجذل لهم الثواب.. وجعل كلَّ ذلك في موازين أعمالهم جميعهم نساءً ورجالاً..
و.. باهى بهم رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم يوم العرض.. فكلُّ ذلك خالص لوجه اللَّه، من أجل هذه الطيِّبة أرض رسوله الكريم وموطىء مسجده، ومحضن الدولة الإسلامية الأولى والامتداد الحاضر لها.
وللجميع منِّي بالغ الشكر على ما كان من الاحتفاء، والحضور والمناقشة، والتقدير، وكرم الاستقبال، والتوديع.
وصلِّى اللَّه على خير خلقه وخاتم أنبيائه وعلى زوجاته أمهات المؤمنين وذريِّته وآل بيته، وخلفائه وصحابته والتابعين ومن تبعهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين. والحمد للِّه رب العالمين.
|