اسم عَمْرٍ ليس قليل الانتشار بيننا. ولكن الناس - حتى المتعلمين منهم، أعني من حصل على درجة البكالوريوس على الأقل - دأبوا على نطقه عَمْرُو وكأن الواو أصلية فيه. وصديقي «عَمْرُو بن عبيد» يصر على أن أناديه كباقي خلق الله باللفظ الدارج الممطوط. فأهله واصدقاؤه ينادونه كذلك، ما عداي فرأسي وألف سيف ألا أفعل. إذ لسببٍ ما تضايقني هذه المناداة ولكنهم - اي الناطقين بالواو - يردون عليَّ بأن أصحاب الاسم أنفسهم يجوزون ذلك، واذا كان صديقي عمرو لا يكفيني، فأمامي ما هو مكتوب على أسواق العمرو بالأحرف الانجليزية.
كابرتُ وقلتُ: المشاهدة خير برهان، ووجدتهم على حق، فمكتوب على تلك الاسواق ALAMRO وذلك تأكيدا للقارىء ألا يتجاهل الواو فيعطيها حقها من النطق. ويبدو أن مالكي الأسواق وهم اهل تجارة يريدون ان يمنعوا الاسم من الصرف ليتفرغ الزبون للصرف على المشتريات.
والظاهر ان الناس متعلمين ومثقفين وأميين استمرأوا نطق اسم عَمْرُو بالواو الممطوطة لأن اللسان العربي - حتى في اللهجات العامية - يرفع المبتدأ فنقول عَمْرُو بن العاص، وعَمْرُو موسى، وعَمْرُو دياب «ودون اشباع الواو» حتى ظنوا ان ذلك هو النطق السليم للاسم.
ما علينا! الكلام لا جمرك عليه ولو كان تهشيما للغة. ولكن هذه الواو دخلت اللغة ولم ترحل حتى بعد ان انتفت أسباب وجودها. فمن أين أتت؟
عندما تطور خطنا من الرموز السومرية، مروراً بالخط الفينيقي فالسرياني ثم الآرامي، وإلى العربي كان خلواً من علامات الشكل، فعمد الكتاب الى إلحاق الواو بعَمْرٍ لتفريقه عن عُمَر. والاسمان وإن كانا متشابهين في المعنى الا أنهما يختلفان في كون عُمَر ممنوعاً من الصرف بينما يلحق التنوين بعَمْرٍ.
وفي حدود عام 67هـ خشي زياد بن أبيه من أن يلحن الناس في القرآن، فاستعان بأبي الأسود الدؤلي الذي قام بوضع نقطة فوق الحرف المفتوح، ومثلها تحت المكسور، وكذلك امام المرفوع، وكان هذا أول شكل للحروف العربية.
بعد ذلك بعقود كلف الحجاج بن يوسف كلاً من يحيى بن يعمر ونصر بن عاصم بوضع النقاط على الحروف، وهكذا تم التمييز في الكتابة العربية لأول مرة بين الباء والياء والنون وغيرها.
لكن مشكلة جديدة ظهرت حيث خلط الناس بين شكل الدؤلي ونقط يحيى ونصر لأنها كلها نقط. فعمد الخليل بن احمد الفراهيدي الى تبديل الشكل الذي وضعه الدؤلي إلى الرموز المعروفة حالياً للفتحة والكسرة والسكون والتنوين.. إلخ.
وانتقل الخليل بن احمد الى جوار ربه عام «791م» أي أن العرب كان بوسعهم منذ القرن الثاني ان يشطبوا حرف الواو من اسم عَمْرٍ دون أن يخشوا على الناس من اللبس في النطق. ولكن الواو السخيفة احتلت تلك المساحة وكأنها قدر أزلي. بصراحة ملأني الرعب أن العرب لم يفعلوا شيئاً حيال تلك الواو طيلة 12 قرناً.
قد تقولون إني أبالغ، أو أعطي الأمور أكبر من حاجتها، ولكن اقول إن المسألة رمزية بحتة وان دلالاتها عميقة. وإذا أعجزنا حرف على مدى العديد من القرون، ونحن ننافح عن العربية ونتغنى بها، فماذا نفعل بدولة اسرائيل التي مضى عليها نصف قرن.
فاكس: 4782781 |