* القاهرة - مكتب الجزيرة محمد العجمي:
الزيارة التي قام بها الرئيس محمد حسني مبارك رئيس جمهورية مصر العربية للولايات المتحدة الأمريكية وهي الثانية خلال هذا العام ولم يمر سوى ثلاثة شهور فقط على الزيارة الأولى جاءت في منعطف خطير تمر به منطقة الشرق الأوسط، والصراع العربي الاسرائيلي الذي وصل الى ذروته.. وإذا كانت زيارة مبارك فرضتها الأبعاد السياسية في تصحيح مسار السلام، واقناع الادارة الامريكية بإعلان دولة فلسطين، والضغط على اسرائيل للدخول في مفاوضات مع الجانب الفلسطيني، وقضايا اللاجئين.. إلا أن الأجندة الاقتصادية فرضت نفسها على المفاوضات خاصة ان مصر تسعى الى التحول من دولة متلقية للمساعدات الى شريك تجاري وصناعي من خلال توقيع اتفاق منطقة تجارة حرة مع امريكا في ظل توقف المعونة الامريكية لمصر في عام 2010.
بداية المعونة
بدأت العلاقات المصرية الأمريكية في السادس من نوفمبر عام 1973 عندما زارالقاهرة وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر مستأنفاً العلاقات المقطوعة من 1967، وبعد توقيع معاهدة السلام «كامب ديفيد» بدأت الادارة الامريكية في تقديم المساعدات لاسرائيل ومصر ساهمت في اصلاح بعض ما دمرته الحروب المتعاقبة، ففي 22 يناير 1976 بدئ برنامج المعونة الامريكية لمصر، ولكن اخذت هذه المعونة في التناقص فقد احتلت مصر عام 1979 المرتبة الثانية بعد اسرائيل في قائمة الدول المتلقية للمعونة الامريكية حيث بلغ حجمها حوالي 5 ،54 مليار دولار ما بين عامي 1979، 2001، منها 4 ،35 مليار دولار معونة عسكرية بينما بلغت المساعدات الاقتصادية نحو 815 مليون دولار سنويا، ويوجد الآن اتجاه نحو تناقص هذه المساعدات بمعدل 40 مليون دولار سنويا لتصل بحلول عام 2010 الى صفر، مما يستلزم البحث عن آليات بديلة لتعويض مصر عن نقص الموارد المالية، وتمكينها من مواصلة برنامجها الاقتصادي خاصة بعد تأثر اقتصادها بأحداث 11 سبتمبر مما جعل الاجندة الاقتصادية تفرض نفسها في الزيارة الحالية.
واذا كان مسؤول المعونة الامريكية يقول ان الاستراتيجية الانتقالية للمعونة الامريكية لن تؤثر على اتفاقيات المنح الحالية، لأنه تم التوقيع قبل وضع الاستراتيجية لفترة العشر السنوات حتى 2009 والتي تدعو الى وقف تقديم المساعدات في مجال الاستثمارات الرأسمالية.. ويشير الى انه يوجد ثلاث مشروعات يصل تمويلها الى 640 مليون دولار لن تتأثر بخفض المساعدات وهي تطوير المدن الثانوية بمنحة قدرها 315 مليون دولار وينتهي التنفيذ عام 2005، ومشروع ادارة المرافق بمنحة 315 مليون دولار ويتم انجازه في عام 2005، ومشروع مصر الوسطى، ويهدف الى تقديم المساعدة للسلطات المحلية في المنيا والفيوم وبني سويف.
بعثة طرق الأبواب
وتوجد اتجاهات متعددة لدعم العلاقات بين مصر وامريكا منها تكرار زيارات «بعثة طرق الأبواب» التي تنظمها الغرفة التجارية الامريكية في القاهرة، وتعاون رجال الاعمال المصريين في اقامة معارض دائمة للمنتجات المصرية في الولايات المتحدة الامريكية، الى جانب دعم مشاركة الشركات المصرية في المعارض الدولية المتخصصة التي تقام على مدار العام في امريكا، وتعد الشراكة المصرية الامريكية ومبادرة «مبارك آل جور» في سبتمبر 1994 من اهم مجالات التعاون، وتهدف الى وضع اطار لتطوير علاقات التعاون خصوصاً في مجال دعم قدرات الاقتصاد المصري وعملية النمو والتنمية.. وأصبح التساؤل الآن وسط هذا التراكم من القضايا السياسية، هل تنجح زيارة مبارك في اقامة منطقة تجارة حرة وماهو مستقبل العلاقات الاقتصادية؟ وما البدائل المتاحة للتعاون بين البلدين؟
جذور الضعف
تشير دراسة اعدها المركز المصري للدراسات الاقتصادية عن مستقبل الاقتصاد المصري الامريكي الى ان العلاقات الاقتصادية بين البلدين تعاني من اوجه ضعف رئيسية تتمثل في عجز تجاري كبير لصالح امريكا، ففي الوقت الذي اتسمت الصادرات المصرية بالثبات النسبي خلال العشر السنوات الماضية نجد ان الواردات تزايدت بشكل مطرد مما نتج عنه عجز تجاري يزيد على 5 ،2 مليار دولار وهو ما يشكل 3% من الناتج المحلي الاجمالي لمصر.. وهذا ما تؤكده البيانات الرسمية لوزارة التجارة الخارجية المصرية، حيث وصل العجز التجاري خلال عام 2000 فقط نحو مليار و703 ملايين دولار، حيث سجلت الصادرات المصرية 403 ملايين دولار في حين بلغت الواردات 2106 ملايين دولار اما في بيانات الاتحاد الاوروبي والتي تنشرها الجهات الرسمية ايضاً نجد ان العجز وصل الى 2441 مليون دولار بلغت الصادرات 888 مليون دولار في حين وصلت الواردات من امريكا نحو 3329 مليون دولار.
تحذير بسحب الاستثمارات
وتضيف الدراسة ان ثاني اوجه الضعف هو انخفاض الاستثمار الامريكي في مصر، فبينما تصل قيمة الاستثمارات الامريكية في البرازيل الى 38 مليار دولار، والمكسيك 26 مليار دولار، فهي لا تتجاوز 2 ،2 مليار دولار عام 1999 يتركز منها 68% في قطاع البترول، وتوضح البيانات الرسمية ان اجمالي الاستثمارات الامريكية حالياً 3 مليارات دولار منها 5 ،1 مليار دولار في قطاع البترول والباقي استثمارات في القطاعات الانتاجية والخدمية، اما الاستثمارات في الاوراق المالية فتصل الى 600 مليون دولار، وحذَّرت مصادر اقتصادية في حديثها مع «الجزيرة» من اتجاه امريكا لسحب استثماراتها من مصر موضحة ان الشركات الامريكية تخطط لسحب هذه الاستثمارات تدريجياً وذلك باستثناء شركة واحدة تمتلك احد الفنادق الكبرى بالقاهرة. وأشارت الى تراجع الاستثمارات الاجنبية المباشرة لمصر خلال الربع الاول من ميزانية العام المالي 1999 - 2000 بنسبة 27%، فقد وصلت الى 114 مليون دولار فقط بدلاً من 158 مليونا عن نفس الفترة من الميزانية السابقة وكانت في مقدمة الاستثمارات المتراجعة الولايات المتحدة من 123 مليونا الى 106 ملايين دولار وتراجعت المنح الاجنبية لمصر بنسبة 43% لتصل الى 269 مليون دولار بدلا من 473 مليونا بسبب تراجع قيمة الارتباطات مع الولايات المتحدة.
بدائل مطروحة
ويقول الدكتور احمد جلال ان البدائل المطروحة لمستقبل العلاقات بين البلدين يتضح في خيارين الاول عدم التدخل وترك الامور تتطور بشكل طبيعي وهذا يؤدي الى نتائج سلبية على الطرفين؛ فمن المتوقع ان يعاني الاقتصاد المصري من ظاهرة تحويل التجارة للاتحاد الاوروبي بسبب توقيع المشاركة، ويعاني ايضاً من انخفاض المعونة الامريكية، كما سيعود بنتائج سلبية على الاقتصاد الامريكي، وان كانت ضئيلة، فمن المتوقع انخفاض صادرات امريكا لمصر خاصة ان امريكا اكبر شريك تجاري لمصر بعد الاتحاد الاوروبي بالاضافة الى ان المستثمر الامريكي سيفقد سوقاً كبرى خاصة مع دخول مصر في اتفاقيات التجارة مع الكوميسا والدول العربية والاتحاد الاوروبي.
اما الخيار الثاني: فهو اقامة منطقة للتجارة الحرة وهذا ملائم وما زال الحديث للدكتور احمد جلال للعلاقات بين البلدين استناداً الى انها ستساعد في التحول التدريجي للعلاقات الاقتصادي من المعونة الى التجارة، وستعكس التزاماً امريكياً نحو مساندة الاقتصاد المصري وستعمل على تفعيل آلية عملية بديلة لضمان قوة واستمرارية العلاقات الاقتصادية، كما ان خسائرها من عدم توقيع الاتفاقية تصل الى 7 ،1 مليار دولار.
تعبئة الرأي العام
ويضيف ان هذه الاتفاقية ستؤدي الى زيادة الناتج المحلي الاجمالي بمعدل 8 ،1% سنوياً، وزيادة العمالة بمعدلات متواضعة، اما الفوائد الرئيسية لامريكا فتتمثل في الطابع السياسي باعتبار ان استقرار مصر ونموها ضروريان للاستقرار والتقدم في الشرق الاوسط ويتوقع ان تكون الاتفاقية من النوع الانتقائي تشمل تحرير التجارة والخدمات، والاستثمارات، ويستلزم للوصول الى هذه الاتفاقية تعبئة الرأي العام على جانبي الاطلنطي تأييداً للاتفاقية، وتسوية المسائل الخلافية..
وبات السؤال المطروح هل نجحت الزيارة في اذابة الجليد امام هذه الاتفاقية وخاصة ان الكونجرس الامريكي اعترض عليها في اثناء طرح الفكرة في 1999 اثناء زيارة الرئيس المصري وذلك بسبب اعتراض مصر على انشاء مناطق صناعية حرة مع اسرائيل وهو ما اعتبره شرطاً من اجل التوقيع على الاتفاقية، وهو ما حدث بالفعل مع الاردن حيث وافقت على اقامة هذه المناطق.
وهل نجح الرئيس مبارك في اقناع الكونجرس، والرأي العام بأهمية الاتفاقية لمصر ولامريكا خاصة انها ستصبح نافذة للمنتجات الامريكية الى كل الدول الموقعة لاتفاقيات ثنائية مع مصر او التجمعات الاقليمية مثل الكوميا وغيرها؟ وبهذا فاذا كانت العلاقات الاقتصادية بين البلدين تتميز بالضعف فان العلاقات السياسية تتميز بالقوة، فهل استطاعت الزيارة اقناع الادارة الامريكية بإعلان دولة فلسطين؟ هذا ما تكشفه الأيام القادمة..
|