تكللت جهود أطباء من مختلف أنحاء العالم الغربي، يمثلون مؤسسات وأكاديميات طبية مشهورة، في إخراج ميثاق مهني أخلاقي، يكشف مواقف محددة ضد قضايا تشغل ذهن الطبيب الممارس لمهنته، مثل الاستنساخ وخصخصة العناية الصحية والابحاث. كان اهم بنوده الدفاع عن حق المريض في المساواة في تلقي العناية الصحية، والتحذير من تبعات دخول قوى اقتصادية ربحية وسياسية لهدف تحويل حاجة العناية الصحية الى سلعة اقتصادية ينالها من يدفع أكثر.
تناول البيان النتائج السيئة التي ظهرت للباحثين في هذا المجال بعد عقود من تطبيقات العناية الصحية تحت مظلة الشركات التي تهدف للربح. وما يصعِّب مهمة دور بيانات الاخلاق، وقوف منظمة التجارة العالمية وراء طرح المرض كسلعة استراتيجية والمريض كمستهلِك للعناية الصحية، وهو أمر في غاية الصعوبة لمن لا يستطيع تحمل نفقات تكاليفه الصحية، او من ترفضه برامج اهلية العلاج في شركات التأمين لارتفاع تكاليف مرضه المزمن.
البعد الاخلاقي لعلاقة الطبيب والمريض قديم قِدم الحضارة الإنسانية، فعهد هيبوقراط الشهير يلزم الطبيب ان يمارس مهنته «من اجل شفاء المريض فقط، وألا يصف دواء او يجري عملية من اجل اغراض اخرى» كالربح المادي او تحسين وضع اجتماعي.
وأرى ان موقف الطبيب المسلم يتطلب التزاما اكثر بالاخلاق الإنسانية والطبية، فالاسلام يطرح مفهوم الاستقامة والاخلاق مقابل مفهوم الموضوعية والذاتية الذي يطرحه الفكر الغربي.. ويعتمد المنهج الذي يستند اليه التدبر في كل من العلوم الشرعية والعلوم الاجتماعية من جهة، على فقه للموازنات بين المصالح، وبين المفاسد والمصالح اذا تعارضت، كما يرتكز من جهة اخرى على فقه الاولويات الذي يستند على فهم للواقع وإدراك مقاصد الشرع، وهذا حتما يضع الطبيب المسلم في موقف اكثر تشددا ضد خصخصة العناية الصحية او إدراج مفردات مثل صناعة ومستهلك وأرباح مادية كأساس للتعامل مع المريض. وهي بكل تأكيد إجراءات تخالف مقاصد الشرع، وفيها مفاسد وضرر كبير للمريض.
أوضحت دراسات نشرت في كبرى المجلات الطبية مثل لانست ونيوإنجلند ان تبعات نقل النموذج الامريكي لدول العالم الثالث اضرت بالمرضى الفقراء وذوي الدخل المحدود، وأصبحت شركات التأمين الصحي الهادف للربح تختار فئات عمرية شابة، لا تعاني من امراض مزمنة مثل السكر والضغط او السرطان، وتسعى للحد من نسب كبار السن في برامجهم للتأمين الطبي لارتفاع تكاليفهم الصحية، فالانسان كلما تقدم في العمر زادت نسب متاعبه الصحية، مما يقلل من تحقيق ارباحهم العالية في سوق العناية الصحية.
كما اثبتت الإحصائيات ان النموذج الامريكي الاستثماري في العناية الصحية عبر شركاته العابرة للقارات لا يخدم الا ذوي الدخل غير المحدود في العالم الثالث. ولهذا السبب ولأسباب اخرى وقفت المؤسسات والجمعيات والنقابات العمالية والطبية في البرازيل والايكوادور وتشيلي والارجنتين وكندا.. ضد دخول شركات ادارة العناية الصحية للقيام بدور الحكومة المركزية في تقديم الخدمات الصحية. وبالتأكيد ان نجاح شركات ادارة العناية المتعددة الجنسية في تقديم تسهيلات ومنح دراسية لأطباء وإدريي مستشفيات، وفي الدخول مع رؤوس اموال محلية سهّل من مهمتهم الدولية للوصول الى اهدافهم الاستراتيجية، ولتمرير مبادئهم المادية الصرفة للتحكم في تقديم العناية الصحية كسلعة ترضخ لدخل الانسان «لا» حاجته الضرورية.
سيستمر التفاعل ضد فرض الخصخصة لهذه الضرورة الانسانية من قِبل منظمات القطب الأوحد، وستبدي الايام تأثيراتها الاجتماعية السلبية، وستكون الارقام ونتائج الدراسات الاكاديمية خير شاهد على فشل هذا التوجه، ولا تزال بيانات الاعتراض تواجهه بالاحتجاج تارة، وبالسخرية تارة اخرى، اصبح استهجان ما يقوم به منفذو سياسات منظمة التجارة الدولية عبر شركات العناية الامريكية مادة دسمة للسخرية و«الطرافة» غير الودية، فقد اسس مناهضو خصخصة العناية الصحية موقعا لنشر آخر التعليقات و«النكت» على منفذي تلك الاستراتيجية غير «الشعبية».. كان آخرها عن ثلاثة اشخاص على سطح مركب يوشك على الغرق، احدهم مدير تنفيذي لإدارة شؤون عناية صحية تهدف للربح المادي، وكان على احدهم ان يغادر المركب لإنقاذه من الغرق، ولكن اسماك القرش تحاصر المركب ومستعدة لافتراسه اذا قرر ممارسة العوم الى الشاطىء القريب. ولكن المدير التنفيذي قرر ان يعوم، واستطاع الوصول الى الشاطىء بسلام، فلما وصل صاحباه الى بر الامان في المركز، سألاه بتعجب : لماذا لم تهاجمك اسماك القرش؟ اجاب بهدوء:
زملاء مهنة..
|