حين تعودُ بنا الذكرياتُ إلى زمن كنا فيه نتهافت على قصاصات الجرائد والمجلات داخل الأحذية المستوردة الجديدة، وبعض الإكسسوارات.. نسرع إلى (فردِ) تلك الجريدة المتهالكة وتجميعها لعلنا نعثر فيها على ما يبدِّد الملل من خبر طريفٍ أو كلمات متقاطعة أو تقع أعيننا على موضوع لم يسبق طرحه في صحفنا المحلية وغابت عنه عين الرقيب!!.
في ذلك الزمن، كنا نبحث عن أيِّ شيء نقرأُه غير كتبنا المدرسية وبعض الكتب ذات الأوراق العتيقة التي لا تشدُّ ممن هم في عمر المراهقة!! وكانت «الحوادث» و«آخر ساعة» من المحظورات في المنزل لا لمعرفة الوالدين بما في داخلها ولكن كرههم الصور يجعلهم يحوقلون ويدعون ربهم ألاّ يعاقبهم بما يفعله السفهاء، وتعجب وأنت في تلك السن حين ترى الأمهات يغضين حياءً ويُشحنَّ بوجوههن عن صور الرجال!!.
ودارت عقارب الزمن، وأصبحت المطابع تقذف بالمجلات المصورة والملونة بلا كتابة! إلا إذا كان ما تُسوَّدُ به بعض الصفحات وما تنزفه تلك المحابر يُعدُّ من باب الكتابة! أو أنه حبرٌ على ورق فحسب! وإننا نخشى ان نُعاقبَ فعلاً حين تحمل أرفف القرطاسيات في المكتبات والأسواق التجارية أعداداً هائلة من مجلات فنية متشابهة في المحتوى لا تحمل سوى صور الفنانين والفنانات وأخبارهم ومغامراتهم وشائعاتهم، وتقرأها من الغلاف إلى الغلاف فلا تجد فيها ما يفيد أيَّ فئة من فئات المجتمع بقدر ما يضرهم ويشغل أذهان جيلنا بأمور لا نفع منها ولا مردود علمياً أو معرفياً! ومما يزيدُ في الألم ان أسعار تلك المجلات مرتفعة وعدد صفحاتها كثير جداً وما يعادل 70% منها دعايات لعطور ومستحضرات تجميل، وسيارات ووجبات غذائية كثيرة المحتوى عديمة الفائدة تدعو وتشجع على الاستهلاك، وكنت آمل ان تجرِّب حظها في أسواقنا فتُمنى بخسارة وتكون غلطة لا تُعاد، ولكني منيت بخسارة نفسية حين شاهدت أبناءنا يقبلون على هذه المجلات، حتى غزت مدارسنا واندسَّت بين ثنايا حقائب بناتنا!!.
وبالمقابل تنهض ببطء المجلات الهادفة التي تتلفع ببرقع الحياء ورداء الفضيلة، وتنشد الحقيقة وتستقطب الكُتّاب الذين يملكون القدرة على الإرشاد والوعظ الذي نحبذه في الأشرطة السمعية والكتب الشرعية، بيْد ان الجمود يكاد يكون الطابع العام لتلك المجلات، إضافة إلى طَرْق بعض الموضوعات التقليدية التي لا تغري عادة الشباب، والملاحظ تنافس هذه المجلات في طرح موضوعات مكررة في إطارها الشرعي وقد تكون من المسلَّمات أو بعض الظواهر العادية في كل مجتمع ولا يؤدي تكرار طرْقها إلاّ إلى صرف النظر عنها..
وكنا نأمل أن تجد تلك المجلات إقبالاً لدى الشباب بجنسيه لأن مسألة وقف إصدار المجلات المصورة التي تتبنى بعض الفنانين والشعراء السطحيين أصبحت في حكم المستحيل، لذا لا بد ان تنشط المجلات الجادة في الدخول بقوة إلى سوق الإعلام الهادف لا سيما تجاه الشباب والمراهقين المتهافتين على تلك المجلات الهابطة والمنصرفين عن المجلات الهادفة وهم المستهدفون بالتوجيه والإرشاد وذلك بجذبهم، ولا يمنع ان تكون المجلات مُزيَّنة بالصور المعبِّرة والألوان الزاهية وتستحوذ على اهتمامات الجميع ابتداءً من الأطفال وحتى الراشدين مروراً بالشباب والمراهقين، وتحمل في طياتها التشويق والتفاؤل والتركيز على معالجة قضايا الشباب بأسلوب منطقي وذلك بفتح باب الحوار الهادئ، وضرورة إشراكهم في تحرير أبواب المجلة، ونشر خواطرهم بعد تنقيحها، واحتوائهم بأفكارهم الخاطئة واتجاهاتهم السلبية وإصلاحها، والبعد عن التخويف بالنار والمصير المؤلم الذي ينتظرهم إذا اقترفوا اللّمم وعدم تضخيم أخطائهم، وعندها لن يطرقوا أبواب تلك المجلات الهابطة والقنوات الفاسدة والمواقع الإباحية! وسننجحُ في مشروع تربية جيلٍ صاعد نحو الخير والفضيلة والحياء.
|