سألت الروائي ابراهيم الناصر الحميدان في محور «مدن الروائيين» في ملحق الخميس فجاءت اجابته موحية بموضوع أكبر واهم فكانت رؤيته اجمالا حول المدينة بالنسبة للروائي تتلخص في هروب الكاتب من كابوس المدينة نحو الارياف والهجر الصغيرة والقرى طلبا للهدوء والتأمل وابتعادا عن الضوضاء والازعاج الذي تسببه حياة المدينة.
فنحن هنا نتفق مع الاستاذ الحميدان في ان المدينة صاخبة وضاجة ولا يمكن ان تكون ملاذا للشعراء والروائيين ومن قبلهم الفلاسفة والمفكرين.. ونختلف معه حول اشكالية الرومانسية الذابلة.. تلك التي تبعد المبدع عن مواطن معاناته، ومعاناة من حوله من اناس بسطاء.. فلم تعد «الرومانسية» مجدية.. بل ان تلك الابراج العاجية لم تعد هي الملاذ الحقيقي للمبدع.. فيجب علينا ان نتفق مع هؤلاء المبدعين على صياغة فهم جديد يؤسس مرحلة ما بعد هذه الرومانسيات العابرة ليكون المبدع الحقيقي هو ذلك الذي ينهل من معين المعاناة الانسانية الحقيقية والتي يجسدها على ارض الواقع.
فنحن على يقين بأن الروائي الحميدان، امده الله بالصحة والعافية، يوافقنا على مبدأ التخلص من هذا الفن الذي لم يزدنا الا قطيعة وتشتتاً فالشاعر في اعلى «الرجم» يغني، والناس بمن فيهم حبيبته يكدحون في طلب رزقهم.. يفتشون الارض بحثا عن قوتهم.. وقد ينسحب هذا الامر على بعض الكتاب والمفكرين الذين يدمنون العزلة حتى يصبحوا في واد والناس في واد آخر.. هو لا يعلم بمشاكلهم وهمومهم الا بما يذكر لحظة ان كان عابرا من امامهم الى تلك الفلوات، والاماكن النائية.. وهم لم يدركوا منه ما يتداوون به من سيل الكلمات.. تلك التي استحالت مجرد تهويمات بعيدة، وطروحات تلتقط القشور.
نحن بالفعل أمام اشكالية هذه الرومانسية الذابلة تلك التي تبعد المبدع عن قاعدة وجوده الانساني، وعن حاجته الماسة لما يدور في المجتمع من قضايا واحداث تتحول بفعل الحكاية الى لون ادبي مقبول، لن يقدمه المبدع الا باختلاطه بهؤلاء البسطاء، ومد جسور لغته وابداعه معهم ليخرج لنا في نهاية هذه العلاقة ادبا حقيقيا يؤكد قدرته على استلهام هذا التراث المحلي سواء أكان هذا التراث ريفيا او مدنيا، فالمحصلة النهائية تجسد قوة هذا التوافق بين المبدع وبيئته، ومصدر هذه القوة هو خروج المبدع من صومعته او برجه العاجي.. او نزوله من «رجم» الهذيانات العابرة.
|