1/3/3 ولأن الموقعين خليط غير متناغم، وغير متفاهم، وغير متكافئ، فقد فقد البيان انتماءه، فالقارئ السلفي أوغل في نقد السلفيين الموقعين، والمفكر المتحرر في تفكيره، نال من المفكرين الذين نسوا ماهم عليه، والسياسي المتمرس في اللعب السياسية سخر من السياسيين الذين تناسوا الإحالة إلى جهابذة اللاعبين.
وكل قارئ حاكم البيان من خلال خليفته الثقافية وموقفه من الأحداث. والبيان الذي مُزق كل ممزق، يأتي في سياق مخاضات متعددة، وطرائق قدداً في سبيل التعبير عن المواقف والآراء، وصنع القيادات الفكرية والدينية، وكل حزب بما لديهم فرحون، وهذه الفلتات، قد ينعكس أثرها على وحدة الصف ووحدة الفكر، لأن ذويه يشكلون نخبوية، تنفرد بالتعبير عن موقف: مصيري وجماعي، وقد أدى بالفعل إلى خلافات ومناكفات، في زمن نحن أحوج ما نكون إلى الالتفاف، ولا شك أن الواقع العربي والعالمي يشكل ضغطاً على المشاعر، ويسهم في خلط الرؤى والتصورات، ولما تزل حرب الخليج كليل «امرئ القيس»، الذي أرخى سدوله بأنواع الهموم، التي أثقلت الكواهل، وعمقت اليأس والقنوط، فالمفكرون والساسة والعلماء في حالة من الارتباك والفوضى، وبخاصة بعد الانتفاضة، وعمليات التفجير، ومواجهة الإرهاب بحرب موسعة مدمرة، لقد زادت الفوضى الفكرية، وتعمق الخلاف، وشاع الوهن، واستفحل الارتياب، وادلهمت الأمور، وناقض الإنسان نفسه، بحيث تحول البعض من سلفي متشدد إلى «ليبرالي»، متطرف أو «راديكالي»، متعنت، وكشفت مواقع «الإنترنت»، عن سوآت ما كنا نتوقعها، وأخلاقيات ما كنا نعهدها، وتلك مخاضات سينعكس أثرها على أخلاقيات الأمة.. ومن الظواهر السيئة استغلال المنجز العلمي، كالمواقع «الإنترنتية»، و«القنوات الفضائحية»، لنشر الغسيل، وتبادل الشتائم، وإيقاظ الفتن، ونبش الماضي، وتلفيق التهم. وكان بالإمكان تحويل هذه المواقع إلى منابر لرأب الصداع، وتضميد الجراح، ورفع المعنويات، والتسديد والمقاربة، وتبليغ ما أمرنا بتبليغه. وأحسب أننا أحوج ما نكون إلى التخلص من ردود الأفعال المتشنجة، والفراغ لاستئناف الأقوال ابتداءً، ومن الخير لنا أن نطرح مشروعنا الإسلامي، كما جاء، وكما أراده المشرّع. لقد قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل صراحة: «بلغوا عني ولو آية»، فالطائفيات، والمذهبيات، والتعصب الأعمى: للقضايا والشخصيات مضيعة للجهد والمال والوقت. لقد ضمد العالم جراحه، وتناسى خلافاته، والتقى على كلمة سواء، نابذاً الخلاف وراء ظهره، مستقبلاً الوفاق المشترك، وكان الأحرى بنا أن نسبق إلى الاعتصام بحبل الله وعدم التفرق.
2/3/3 ومع كل هذه الضجة، فإن البيان لم يكن مبادرة، ولا ابتكاراً، لقد سبقته بيانات أخرى من مثقفي أمريكا، ومن مثقفين عرب: مهاجرين ومقيمين، ولحقته بيانات من «ألمانيا»، «الوطن 9 و10/4/1423هـ»، وهو أشبه ما يكون بردة الفعل الوديعة، وقد يحيله البعض إلى تسجيل المواقف، والتذكير بالحضور. وإشكالية كل البيانات العربية: إسلامية أو قومية «ليبرالية» أو «راديكالية»، أنها لا تخرج في مضامينها عن المتداول إعلامياً، فليس هناك إضافة تذاكر. وكل المثير في بيان المثقفين: أنه جمع الأشتات الذين يظنون كل الظن ألا تلاقيا، وتشكيلة الموقعين يتحكم فيها الممررون للبيان بعد طبعه، والمدقق في المواقع العملية للموقعين يدرك ذلك، «فمستشفى الملك فهد» استأثر منسوبوه بأحد عشر توقيعاً، فيما لم يوقعه عدد دون ذلك من مستشفيات مماثلة، ومن المثير تأكيده على أصول التعايش من أطراف، لم يكونوا يسمحون لغيرهم التقارب مع المناقض، فضلاً عن أن يصدر طواعية من عند أنفسهم، فلقد جاء البيان مغيباً ما ألفنا الحديث عنه «كالجهاد»، و«الولاء والبراء» وإن كان التغييب لإفساح المجال للسلم المشروع، والحوار المطلوب، ولكن البعض استنكر هذا التحول في الخطاب: إما لسلفية تستنكر مجرد التفكير بالحوار، وإما لجهل أو تجاهل لظروف الطرح ودواعيه. فالبيان يحمل هم التخطي من الحرب إلى السلام. مؤسساً لأسلوب تعايشي من طرف واحد، وبعض المفككين للخطاب يرون فيه حالة استثنائية، تمثل غياب «الأصولية»، المتشددة، وبروز «الوصولية» المتزلفة، والمصير إلى انفراج غير متوقع، ومع أنه خطاب يتحامى مآزق المفاضلة والتصدير، إلا إنه يستبطن التميز والخصوصية، وتغييبه متطلبات «الولاء والبراء» و«الجهاد»، لمجرد أنه في حالة المصالحة في سبيل الخلوص من وهدة القتل المجاني، الذي استخدمت فيه أحدث الآليات وأبشعها، ولكل حدث حديث، فالمفاوض غير المحارب، والمصالح غير المنابذ، والجانح للسلم غير المتحرف للقتال وكنت أتمنى لو ماثل البيان «الألماني» في جدليته ونديته «الوطن 9 و10/4/1423هـ».
ومع أن الموقعين خليط متناقض، إلا أن الانفراج ولغة التصالح والتعاذر استهوتهم جميعاً، وبعد إفراغ الشحنة العاطفية المتأججة، أعاد البعض منهم قراءة البيان، ونظر إلى من حوله، فأنكر الوجوه واستنكرها، وأنكر على نفسه الاندفاع، دون التروي والمراجعة والاستخارة، حتى لقد أعلن البعض منهم تراجعه، بعد أن فند الأخطاء والتجاوزات: العقدية والمبدئية، ولم يلم نفسه على اندفاعها العاطفي، بل مارس الإسقاط مبرئاً نفسه من كل التبعات على حد: «أنج سعداً فقد هلك سعيد». ولربما جاء التراجع نتيجة قراءات سلفية متفاوتة ذكَّرت الموقعين بمواقفهم ومبادئهم، وأوجفت عليهم بسيل من الفتاوى والمناشير، التي ما كنا نود أن تكون بهذه الحدة وبتلك الحدِّية. وإذا كان بعض الناقمين يحيل إلى ماضي البعض المتشدد، فإن قارئين آخرين يطالبون بالعودة إلى التشدد، مما حول الموقعين والبيان ومقتضاه إلى معضلة «جحا» و«ولده» و«حماره».
والبيان لا يحتمل كل هذه الضجة، فهو تجشؤ من فراغ في فراغ، ونفثة مصدور ذابت في الأثير، وسيعود الجميع إلى «تيميتهم» المعهودة، بحيث يقضى الأمر في غيابهم، ولا يستأمرون وهم شهود. فالعالم المتغطرس لا مكان فيه للضعفاء، ومن أراد السلام فليستعد للحرب. وكيف تتأتى الندية، وكل إقليم مثلُه كمثل العائل المستكبر، يصنم إنسانه وحدوده، ويرى نفسه مركز الكون. ومعضلتنا، أننا عاطفيون، اندفاعيون، لا نحب هوناً ما، ولا نبغض هوناً ما، ولا نوغل برفق، فنحن في كل قضايانا أشبه بالمنبتِّ الذي لا يقطع أرضاً ولا يبقي ظهراً، ولقد وصف البعض هذا الارتباك ب«نكسة المثقفين» «الشرق الأوسط الأحد 16/6/2002م». والحق أن النكسة قائمة من قبل، ولكن الأثرة، والتنازع على دوائر الضوء، وتوهم المغانم، والتهافت على أشباحها أضاع الرشد، وذكرنا ب«أشعب» و«الوليمة».
3/3/3 وإذ يشكل بيان المثقفين الأمريكيين وبيان المثقفين السعوديين فعلاً ورد فعل، فقد تشابها في عرض الحيثيات والمقتضيات، فالأول اتخذ عنوان «على أي اساس نقاتل» فيما اتخذ الآخر عنوان «على أي أساس نتعايش» مستهلاً بيان الأمريكيين فاتحته بخمس حقائق إنسانية: - الحرية، والبحث عن الحقيقة، واحترام الأديان، والتزام مقتضى الإيمان، ومحورية الإنسان، وتأهيل الحضارة الغربية لقيادة العالم، معترفاً بالخطأ، معتزاً بقيم الحرية والعدل والديموقراطية، متطلعاً إلى تبادل القيم المشتركة، مؤكداً على احترام الأديان، مبرراً للعلمانية والعولمة، راغباً في التسامح، وقراءة الأديان لفهمها، محذراً من الحرب، مؤكداً على مشروعيتها لرد العدوان. ولما يستهل بيان المثقفين السعوديين فاتحته بالقيم الإنسانية، وإنما جاءت حقائقه المحايثة في الفقرة الثانية من الصفحة الرابعة، لم تكن خمساً، بل جاؤوا بثمان هي:- تكريم الله للإنسان، وتحريم قتل النفس إلا بالحق، وعدم الإكراه على الدين، والعلاقات الأخلاقية، وخلق كل شيء للإنسان ومن أجله، ومسؤولية الجناية على الجاني، والعدل، والدعوة بالحسنى.
والبيان الأمريكي تبريري إسقاطي شمولي دعائي، فيه خبث وذكاء، فالحرب ضد الإرهاب عادلة، لأنها من أجل الدفاع عن المبادئ الإنسانية، ومن ثم فليس من المعقول معاداة الأمريكيين من أجلها، فيما يفقد البيان العربي كثيراً من لعبة المراوغة و«التكتيك»، وتنقصه فنيات الحوار، وبراعة الالتفاف على المحاور.
والفرق بين البيانين: أن الأول أعده «معهد القيم الأمريكي»، والثاني أعد بجهد فردي، وكم هو الفرق بين «المطبخ السياسي العريق» و«أكشاك الوجبات السريعة»، ورد المثقفين «الألمان» على البيان الأمريكي أقوى وأدق وأشمل.
والبيان إذ يكون موجهاً لشريحة بشرية، لها مستواها المعرفي، كان لابد من مراعاة التماثل بين نصه وإحالته من جهة، والمتلقي من جهة أخرى، ولن يؤدي وظيفته التواصلية، ولن يحقق الاستجابة، ما لم يخاطب الآخر في إطار القواسم المشتركة، ومنشئه حاول ذلك، حين عول على «العدل» و«الحرية» و«المساواة»، وهي مفاهيم يتداولها كل مشروع سياسي أو اجتماعي حتى «الماسونية» طرحت هذه المقتضيات، وأزلقت بها أقداماً كثيرة، والمهم ليس في التطلع، ولكنه في الممكن والمفهوم.والبيان أعد بلغة إنشائية عاطفية، تتصيد حجتها من فيوض الإعلام، ولا تنجو من ارتباك، وتزيد، وشوائب: في المفردات والتراكيب. وهي الثغرات التي نسل منها الموغلون في النقد، ومع التسرع والارتباك، فإن لغته ليست سيئة، ولا سوقية، كما يتصور البعض «الوطن 6/7/1423هـ»، ولكنها لم تكن بالمستوى الملائم لعشرات المفكرين والعلماء الذين وقعوا عليه، وكان يجب أن يعولوا على «لغة التفاوض» بكل متطلباتها: الوضوحية، والمحدودية، والامتلائية. وثغرات لغة التفاوض والاتفاقات والبيانات تديم مطال المتلاعبين، ولهذا يحرص صاغتها متى كانوا ناصحين على تجويدها، واستبعاد الكلمات والصياغات التي تحمل أكثر من تفسير، وقد سبق الجميع إلى تحرير «لغة التفاوض»، علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حين قال:- لا تجادلوهم بالقرآن، فإنه حمال أوجه، ذلك على اعتبار شرعية الفعل، وجدواه، والبيان حين مثل للعيان، لم يعد هناك جدوى من القول في الشرعية، لأنه أصبح قضية ماثلة.
4/3/3 ولو أننا أحلنا «البيان» إلى «لغة التفاوض»، وهو بلا شك نوع من أنواعه، فإننا نستذكر مقولة «ديفيد بيل»:- «إن المفاوضات من أكثر العمليات الذهنية تعقيداً» ومعدو البيان «سلقوه» بسرعة، وبطريقة مرتبكة و«ديفيد بيل» يؤكد على الانتباه «للغة» و«الاتصال»، ومعد البيان لا يمتلك لغة تفاوضية، ولا لغة قانونية، وإنما هي لغة وعظية استرقاقية خطابية، ولعلنا نستعيد الأسئلة التقليدية عن عمليات الاتصال:- من قال؟ وماذا قال؟ وكيف قال؟ وعن أي شيء قال؟ وما أثر القول؟ ولو تقرينا الإجابة على تلك الأسئلة، لتحددت لنا أبعاد البيان، وتجلت لنا هناته، ونحن على كل المستويات، لّما نزل بحاجة ماسة إلى لغة محكمة، تخترق كل التحصينات، وتحمل الطرف الآخر على أن يصيخ. ولابد في «لغة التفاوض» من أن نفرق بين «لغة النص» و «لغة الخطاب»، والنص لا يقتصر في مفهومه على البناء اللغوي فحسب، وإنما يمتد إلى نوع النص، وظروف النص، وأطراف الأداء والتلقي، وهو ما يعبر عنه بلاغياً ب «مراعاة مقتضى الحال». فيما يكون «الخطاب» أوسع من ذلك بكثير، فهو المشروع بكل متطلباته ومقتضياته، ومن ثم يأتي «النص» بكل مفاهيمه مفردة من مفردات الخطاب.
ومن حقنا أن نتساءل عمن ناب عن المجموعة في التفكير والتدبير، وكتب البيان، سواءً كان فرداً أو مجموعة، وسواءً جاء عن طريق التداول وفريق الصياغة، أو كان مبادرة من فرد فكَّر وقدَّر وخطه بيمينه، ثم أخذ التوقيعات عليه، على شاكلة «القرارات التمريرية». وهل هذا الفرد أو تلك المجموعة على فهم عميق بحقائق الأشياء والأحداث وحجم اللعب؟ وهل يعي حجم إمكانياته وقدراته على تفعيل ما يقول، وتحقيق ما يتطلع إليه؟ وهل لديه فهم دقيق لتطلعات الرأي العام، وتصوراته للأشياء، وموقفه منها؟ لقد جاء البيان ناكئاً للجراح، مشتتاً للشمل، مثيراً للرؤى والتصورات، معيداً لما كنا قد مللنا الحديث فيه وعنه. لقد مثل البيان للعيان، وليس من حقنا الركون إلى الظن فبعض الظن إثم، وهو في نظري مسؤولية جميع الموقعين بالتساوي، ومن نكص على عقبيه باء بإثمه. ويقيني أن الناقمين والمعذرين يركنون إلى سوائد المفاهيم، ويحيلون إلى فرضيات محتملة.
إن فينا من يفترض الغزو والتآمر، ويميل إلى الانكفاء وسد الذرائع، فيما يأتي أقوام آخرون يستبعدون الغزو والتآمر، ويحيلون على نقص الأهلية في الذات العربية، تمهيداً لشرعنة الاستغراب، وفيما بين هؤلاء وأولئك، من يعول على اللعب السياسية، التي تصنع الفتن، وتجيش الجيوش، وتلبس لكل لعبة ما يناسبها، وفينا العصاميون، والعظاميون، وأبناء العصر، والمحيلون للتاريخ والأمجاد، والجالدون للذات، والمحبطون، والناقمون، والسماعون. والدخول في هذه المعمعة يتطلب خلفية ثقافية متعددة المصادر والمرجعيات، ولا أحسب البيان مستوعباً لكل هذه الرؤى، متسعاً لكل هذه التناقضات. لقد فوض الموقعون الغربيون أمرهم إلى مؤسسات مليئة بالمجربين والمتخصصين والخبراء والمستشارين، وجاءت أفعالهم وأقوالهم بعيدة عن الانفعال والافتعال، فيما عولنا على سلطة الفرد، يقول عنا، ويفعل عنا، حتى لقد صرنا كما المتنبي مع ممدوحه «تركتني أصحب الدنيا بلا أمل»، أو كما قوم موسى معه:- «إذهب أنت وربك فقاتلا». أحسب أن البيان جاء متواضعاً، لا من حيث المعلومات، ولا من حيث الرؤى والتصورات، ولو استذكرنا قدرات التواصل الأربع:- «الثقافة، اللغة، النفس، السياسة» لوجدنا البيان يلم ببعضها إلماماً عفوياً لا معرفياً، ولكنه إلمام لا يحفظ التوازن. ومهما تعثرت لغة البيان وتسطحت معلوماته، فإن على المفككين احترام الكفاءات المدبرة، والأخرى المتواكلة، ذلك أن خطأ الفعل لا يحبط ما قبله من أفعال، وكلنا خطاؤون، ولا يظفر بالتميز إلا الرجاعون إلى الحق.
5/3/3 والقارئون للبيان أدركوا ثغرات كثيرة، ووجدوها فرصة لتصفية الحسابات، وفاتتهم ثغرات أخرى، وكما أشرت فإن مداخلات متفاوتة الإمكانيات متعددة النوازع، جاءت عبر الصحف، وعبر المواقع، وبعضها أوغل في الذم والاتهام والتشفي، وحاول بعضهم التذكير بالمواقف السابقة التي تختلف كثيراً عما حواه البيان من لطف ورقة وتعاذر، ولما يعول البعض على قوله تعالى:- {وّجّادٌلًهٍم بٌالَّتٌي هٌيّ أّحًسّنٍ}، وقوله: {لا يّنًهّاكٍمٍ پلَّهٍ عّنٌ پَّذٌينّ لّمً يٍقّاتٌلٍوكٍمً فٌي پدٌٌَينٌ وّلّمً يٍخًرٌجٍوكٍم مٌَن دٌيّارٌكٍمً أّن تّبّرٍَوهٍمً وّتٍقًسٌطٍوا إلّيًهٌمً } وقوله تعالى: {فّإنٌ \عًتّزّلٍوكٍمً فّلّمً يٍقّاتٌلٍوكٍمً وّأّلًقّوًا إلّيًكٍمٍ پسَّلّمّ فّمّا جّعّلّ پلَّهٍ لّكٍمً عّلّيًهٌمً سّبٌيلاْ}
فلا سيطرة، ولا وكالة، ولا إكراه في الدين.
والاختلاف - في تصوري- ليس حول النصوص، وإنما هو حول المفاهيم والمقتضيات، ف«السلفي» يفهم «لا إكراه في الدين» فهماً مغايراً، فيما يراه «العلماني» و«الليبرالي» شيئاً آخر، وأعجب شيء قضية «المفهوم» فما من اختلاف إلا وللمفهوم يد فيه. ولا شك أن صدور البيان بهذه الصيغة، وبتلك الإمكانيات، مداعاة لمزيد من المساءلة. ومواجهة فكرية وسياسية بهذا المستوى، تتطلب مؤسسة متخصصة، ومسؤولة ، تمتلك النيابة، وحق الفعل، متوفرة على فريق عمل، ينهض بإعداد البيان، والتعبير عن الرأي والموقف، بحيث تراعى فيه متطلبات الحكم واللغة السياسية وسياقات الأمة وظروفها وموقف الآخر. وفوق كل ذلك لابد من شرعية الفعل وأهلية الفاعل، فليس من مصلحة الأمة انفلات العقد، ومن أراد أن ينوب عنها فلينطق بلسانها، وليعبر عن همومها، بلغة رصينة، ومعلومة دقيقة، وحكمة بالغة، وتفويض مشروع، ومتى اجتهد المقتدر، وأقدم على الفعل، وجب احترامه، وحسن الظن به، ورده إلى الحق رداً جميلاً، وكل الذين داخلوا عدلوا عن شرعية الفعل إلى أهليته، وفي نظري أن «الشرعية» و«الأهلية» صنوان، وعلينا أن نفكر دائما في الشرعية، متى نهضنا بمهمة جماعية فالإنابة لا تملك شرعيتها بمجرد الاقتدار على القول، وعلى الذين تساورهم رغبات القول، أن يتوفروا على المناخات الملائمة، وأن تكون عندهم دقة في حسابات الخسائر والأرباح.
|