قرأت ما كتبه: محمد بن عبدالله الفوزان، من محافظة الغاط، في جريدة «الجزيرة» صفحة عزيزتي الجزيرة يوم الثلاثاء 30 ربيع الأول عام 1423هـ تعقيباً على ما كتبته في الجزيرة عدد رقم 10837 في 19/3/1423هـ، تحت عنوان «المستقلَّة.. والمرأة المسلمة»..
والمرأة في هذه البلاد مستجيبة لهذا الأمر، وقد سمعتُ، أصواتا نسائية في ذلك البرنامج الفضائي من داخل المملكة تندِّد بما عملته نساء لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، في قيادة المرأة للسيارات..
* . أما شبهتك الأخرى: بأن بعض النساء هاجرن إلى المدينة من مكة لوحدهن كأم سلمة، فهذا مردود من وجهين: الأول أنك لو قرأت حكايتها في سيرة حياتها لوجدت أن معها رفقة، الثاني: أن هذا قبل نزول آية الحجاب، التي نزلت في المدينة متأخّرة، وكما في سورة النور في قصة الإفك، يتبيّن لك الدليل.
تقول عائشة رضي الله عنها في تلك الفتنة التي أصابت بيت النّبوّة وكان صفوان بن المعّطل - الذي رآها في منامها بعد ان سار الركب - يعرفني قبل نزول الحجاب، وخمّرتُ وجهي بعدما سمعته يسترجع.
فلا يصح دليل لك ما كان قبل نزول الحكم الشرعي، الذي أدرك عمر رضى الله عنه أهميته، فكان يدعو ربه أن ينزل في الحجاب شيئاً، فنزلت آيات الحجاب.. وهذا مما وافق فيه ربّه عز وجل ضمن الثلاث التي ذكر.
كما يردّ عليك أيضا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لا مرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسافة قصيرة إلا مع ذي محرم» ولمّا جاء إليه رجل يقول يا رسول الله، إنني اكتتبت في غزو كذا، وإن امرأتي ذهبت للحج وليس معها محرم، فقال له رسول الله: «اذهب وحج مع امرأتك».. فجعل ذهابه مع امرأته في سفرها وهو سفر عبادة، والزمان لم يفسد بعد، ألزم من الجهاد في سبيل الله.
وقد منع عمر بن الخطاب وفي رواية الزبير بن العوام، امرأته من الصلاة في المسجد، وحاجّته قائلة: أتمنعني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تمنعوا إماء الله من الصلاة في المساجد» فذهبتْ وعصته في صلاة الفجر، فجاء من لمس عجيزتها.. فرجعت لبيتها ولم تذهب بعد ذلك، فلما سألها عن تركها الصلاة في المسجد؟. قالت: يا أبا عبدالله لقد فسد الزّمان .. فإذا كان هذا في العصر الأول، وهو خير القرون، فما بالك يا أخي بهذا الزمان الذي تعدَّى عصور الخيريّة بقرون.. وأما شبهتك بأن المرأة إلى عهد قريب تركب الإبل والخيل والحمير وتقودها فنسألك هل هذا يكون بدون محرم، وفي مجتمع مختلط، تكثر فيه الذئاب المفترسة، كما هي الحال في الأزمنة التي أفسدت الأخلاق والذّمم، وأضعفت الوازع الديني، الوسائل العديدة الإعلامية المسلّطة.. جئني بأخلاق وشيم مثل تلك العصور حتى أدخل معك في حوار.. أليس طرفة بن العبد الشاعر الجاهلي الكافر، لكن أخلاق عصره وشيمهم موجودة فيه هو الذي قال:
وأغضّ طَرْفي حيَن تبدو جارتي حتى يواري جارتي مأواها |
* . أما حكمك على جميع السائقين للعوائل بأنهم يختلطون، فهذا حكم كسابق أقوالك غير صحيح فالناس بخير وفي حرص على المحافظة ولهم ضوابط، وإن حصل شذوذ فالشاذّ لا حكم له، ولا يطبق على الجميع ولا أريد الدخول معك في معادلة أقفل بابها ولاة الأمر، ولعلمك إن لم تكن تقرأ فقد صدر عن علمائنا ومنهم الشيخ ابن باز رحمه الله فتاوى في الموضوع، وتقيَّد الناس الحريصون على دينهم وأخلاقهم بالمعايير التي ذكر العلماء.
هذا من جانب ومن جانب آخر فلا يعتبر سَفراً يلزم بالمحرم، لأن السائق في داخل المدينة وبمسافات قصيرة، أما حكمك، ويظهر أنه بغير علم حيث قلت: والقول الراجح إن تغطية المرأة وجهها وكفيها ليست بواجبة. وهو الذي تسانده الأدلة من الكتاب والسنة.. فيبدو أن مخزونك المعرفي لا يؤهلك للخوض في هذا الموضوع، فلعل قول سماحة مفتي عام المملكة في ردّه على عبدالله أبو السمح قنعناً وهو: أن الأمور الشرعية يجب ان تصان عن عبث العابثين، والأحكام الشرعية لا يتكلم فيها إلاّ أهلها».
فأين دليلك من الكتاب والسنة؟. فإن الأدلة الشرعية تأمر المرأة المسلمة بإدناء الجلباب على وجهها ونحرها، وتأمرها بأن تقرّ في بيتها ولا تتبرّج وألاّ يبدين زينتهن. والاّ يخضعن في القول..
ولو قرأت ما كتبه العلماء والمفسِّرون قديماً وحديثاً عن الحجاب. لوجدت رأيهم الثابت ضدّ الإجماع الذي حكمت به، أما الأخذ بآراء ضعيفة، أو الاستدلال بروايات كما في قصة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ودخولها على النبي بثياب رقاق، وقوله لها: إن المرأة إذا بلغت المحيض لا يصح أن يرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى الوجه واليدين.. فإن هذا الحديث الذي أورده أبو داود قد أنكره هو أيضا وجرح في خالد بن دريك وروايته.. كما أن العلماء ومنهم الشيخ ابن باز في تتبعهم للحديث أخرجوا فيه عللا كثيرة تمنع الأخذ به وتؤكد ضعفه.. وليس هذا مجال التوسع فيها.. وليس الحجاب كما ذكرت خاص بالمرأة الجميلة، خشية الفتنة، فإن هذا رأى لا يوجد له تأييد، ولكن لماّ كان جمال المرأة عامة في وجهها. فقد منعت آية الحجاب ذلك، يقول ابن تيمية: وحقيقة الأمر: أن الله جعل الزينة زينتين: ظاهرة وغير ظاهرة، وجوّز لها إبداء الزينة الظاهرة - كالثياب - لغير المحارم،وكان النساء يخرجن بلا جلباب. يرى الرجال وجهها ويديها، وكان حينئذ يجوز النظر إليها، لأنه يجوز لها إظهاره ثم لمّا نزلت آية الحجاب (الأحزاب 59)، حجبت النساء عن الرجال (مجموع الفتاوى 22: 110 - 11).
وأختم حديثي معك بما يبطل ما قلتَه من القول الراجح عندك، بما قاله الإمام الصنعاني - رحمه الله - في كتابه: الأدلة الجليّة في تحريم نظر الأجنبية: قال الموزعيّ في شرح الآيات: والمختار عند المتأخرين: التحريم أي تحريم النظر في وجه الأجنبية وكفّيها مطلقاً، ثم قال: والأئمة: مالك والشافعي وأبو حنيفة وغيرهم لم يتكلمّوا إلاّ على عورة المرأة في الصلاة، فقال الشافعي ومالك: ما عدا الوجه والكفين، وزاد أبو حنيفة : القدمين، وما أظن أحداً يبيح للشابّة أن تكشف وجهها لغير حاجة، ولا يبيح للشابة، أن ينظر إليها لغير حاجة.. انتهى كلامه.. وهو أعرف بمذهب الشافعي، لأنه شافعيّ. ومثله في منهاج النووي، الذي هو عمدة الشافعية، في جميع أقطارهم انتهى كلامه (انظر ص33 - 35). ولعل في اختصار الكلام مقنع عن الإطالة، وتتبع آراء العلماء الموثّقة في موضوع الحجاب، وبطلان كلام من يجيز كشف الوجه واليدين، فضلاً عن التبّرج وإبراز المفاتن والله الهادي سواء السبيل.
د. محمد بن سعد الشويعر |