Tuesday 18th June,200210855العددالثلاثاء 7 ,ربيع الثاني 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

دفق القلم دفق القلم
أسماء الأضداد
عبد الرحمن صالح العشماوي

لغتنا العربية لغة الذَّوق الراقي، والاحتراسات الجميلة، والتفاؤل المشرق وهي - مع ذلك - لغة الدِّقة في مدلولاتها ومعانيها.
تقول العرب للَّديغ الذي لدغته عقرب أو أفعى «السَّليم» تفاؤلاً له بالسلامة، وتقول للصحراء القاحلة المهلكة «المَفَازة» تفاؤلاً بالفوز للراحلين والمسافرين الذين يمرّون بها.. وقس على ذلك كلمات كثيرة تستخدم في لغتنا لهذا الغرض، للتفاؤل بالنجاة والسلامة، وليس لتحسين السَّيِّىء، وتجميل القبيح، والتهوين من خطورة الأشياء التي تحمل الخطر، أما الناس في هذا الزمان، أعني أولئك الذين انحرفوا عن الجادة انحرافاً صغيراً أو كبيراً، فإنهم يضعون أسماء جميلة لأشياء قبيحة ضارة غير نافعة، مفسدة غير مصلحة، ويروِّجون لتلك الأسماء عبْر كل الوسائل حتى ترسخ في الأذهان، فيخفّ عند الناس الإحساس بخطورة تلك الأشياء، التي أطلقت عليها الأسماء.
يشيع في كثير من الأوساط في عالمنا الإسلامي اسم «المشروبات الرُّوحية» نجدها في مقالات وتقارير، ونسمعها في برامج مختلفة على ألسنة بعض المفكرين والمثقفين، والأولى أن تسمَّى باسمها الصحيح الذي سمَّاها به القرآن الكريم «الخمر»، هذا المشروب المحرَّم الذي يخامر عقل الإنسان مخامرة يفقد بها وعيَه فيرتكب من المحرمات والجرائم ما لا يخفى.
كما يشيع الآن اسم «المعسَّل» الذي يطلق على هذه المادة القبيحة شكلاً ومضمونا التي تحرق صدر مدخِّنها، وتتلف خلاياه، وتدمِّر رئته، مع ما فيها من رائحة كريهة مؤذية، فهي تستحق بجدارة أن تسمَّى «المدمِّر» أو «الممرّر»، من المرارة، فأين العسل النافع الذي جعل الله فيه شفاءً للناس من مادة خبيثة ضارة.
ومن الأمثلة على أسماء الأضداد المنتشرة للتضليل وتحسين القبيح اسم «الاستعمار»، الذي اختاره الأعداء بعناية فائقة وشاع وانتشر، حتى أصبحنا نحن المسلمين الذين اصطلينا بنيران أصحابه وما زلنا نصطلي الى اليوم، نردِّده على ألستنا ونسطِّره في كتبنا ومقالاتنا مع انه اسم على غير مسمَّى، فالذي جرى من الغرب في عالمنا الإسلامي هو التخريب، وامتصاص الخيرات، وإضاعة الحقوق، والاعتداء على الحرمات فالأولى أن يسمَّى «التخريب» أو «الاستخراب»، أما الاستعمار فهو يدل على العمارة، والتقدم والبناء، وهذا ما لم يصنعه الغرب «المستخرب» حيث احتل كثيرا من الدول الإسلامية والعربية.
وها نحن الآن نردِّد كل يوم بصورة متكررة مع سبق الإصرار منا، كلمة «دولة إسرائيل» مع أن إسرائيل من أسماء «يعقوب» عليه السلام وليس لهذا الكيان الغاشم الظالم في فلسطين «الكيان الصهيوني» صلة بإسرائيل بل إنه منهم براء، إن دولتهم دولة «استخرابية» صهيونية قائمة على الاعتداء والظلم واغتصاب الحقوق وقتل الأبرياء، ولا شك أن ذلك كله يتعارض مع دعوة «إسرائيل» عليه السلام، ودعوة الأنبياء والرسل جميعا.ومن أسماء الأضداد الشائعة «مجلس الأمن» بينما الصحيح أن يسمَّى «مجلس الخوف»، و«حرِّية المرأة»، والصحيح أن تسمَّى «انحلال المرأة»، و«التطوُّر» والصحيح أن يسمَّى «التبعية»، و«السلام العالمي» بينما هي «الحرب العالمية» و«رعاية حقوق الإنسان»، بينما هي «الجناية على حقوق الإنسان».إنّ الذي يؤلمنا - أيها الأحبة - هو انسياقنا - غالباً - وراء الآخرين فيما يطلقونه من أسماء للتضليل، وتشويه الحقائق، وما اسم «الإرهاب» بمفهومه الغربي المشوَّه عنا ببعيد.
إشارة:


يا مجلس الخوف الذي في ظلِّه
كُسِر الأمان وضُيِّع الميثاقُ
أوَما يحرِّكك الذي يجري لنا
أوَما يُثيرك جرحُنا الدفَّاق
سرج العدالة مال فوق حصانها

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved