لم تترك الكآبة لحظة من يومه البائس! إلا وجثت على دقائقه وسويعاته!! ولم تتح له فرصة التقاط أنفاسه المحبوسة في رئتيه!! بحرية تامة!! تأفف وحوقل لما حوله!! ولم يجد سوى تنهيدة من العمق ملحقاً إياها بضربة كف فوق الآخر!!؟ وعاد ولم تكن عودته حميدة لما صادفه بذلك اليوم العاصف في سني حياته التي تجاوزت العقد الثالث بقليل!! فمنذ صباح ذلك اليوم!! الغابر!! وهو يشعر بصداع مؤلم في منتصف رأسه الذي يشبه الصحراء!! حيث لديه غزارة في الإنتاج وسوء توزيع لعشرات بقين في جانبي رأسه!! حبات عرق تتساقط يمنة ويسرة من شدة حر ذلك اليوم حيث إنه ظل يبحث عما يطفئ عطشه!! فهو يلهث من لحظة كآبته!! وأصبح يردد طوال ذلك اليوم بيتاً من الشعر الفصيح «وإني لضيم الدهر لا أتضعضع!!... إلخ.
قلق ووجل يلفان صمت المكان!! حتى البعيد يستشعر تلكم الكآبة!! بدأ صباحه بحادثة صغيرة!! في سيارته الصغيرة «أم الجمايل» كما كان يسميها باستمرار الطرف الآخر من الحادث إحدى سيارات الاجرة العامة «ليموزين» بقيادة سائق آسيوي فأطلق العنان للسانه وشتم بكلمات «عربية مكسرة» وكل ما استطاعه من الجُمل التي تخدش الحياء!! ولو لا أن الطرف الآخر يجيد العربية لحدث له ما لا يحمد عقباه؟! انتهت على اتفقوا عليه!! فذهب الي عمله وكان متوتراً جداً فقابله رئيسه المباشر؟ بسؤال مباغت أين؟ ومن ومتى؟ وكيف وهل؟؟!! وهلم جرا من اسئلة لا تؤدي ولا تجيب بل تزيده حنقاً على حنقه!! تلعثم في الاجابة! الا تعفينا من هذا الموال اليومي الذي لا يأتي إلا بالسوء وعدم اداء العمل على الوجه المطلوب!؟ فأنت لديك الكيل بمكيالين!! فعين الرضاء عن كل عيب كليلة وعين السخط تبدي المساويا؟؟ هز رأسه مرتين غير آبه باسئلة رئيسه المباشر! وجلس على طاولته وبدأ عمله بدون نفس وبأعصاب مشدودة!؟ استخدم على حاسوبه!! «اليوزر»!! ولم يتمكن لوجود خلل في الجهاز الرئيسي «النرس»!! فليس وحده من يعمل في هذه الإدارة!! اليوم بأوله وهذا الاستفتاح «اليومي الى ماذا يُردي؟! خرج بعد ان قضى ساعات قليلة في إدارته! وفي عودته واجه زحمة شديدة في إحدى الطرق الرئيسية وتوتر اكثر واكثر؟! وفي منزله وصل بأعصاب زهرية غير فولاذية! على آخر رمق حاول ثم حاول ان يتناول طعامه فلم يستطع بسبب الأحداث السابقة حل المساء بكآبته وخيم الحزن عليه وبدأ في متابعة مباراة فريقه المفضل الذي خسر مما زاد من توتره!! تهدلت جفونه من الاجهاد وتعب تعباً شديداً وعاوده الصداع اليومي المزمن لمثله من المغلوبين على أمرهم؟
أحس بإعياء تام شديد جاثم عليه طوال وقته!! واتصل بنبيل ليحمله مستنداً عليه الى اقرب طوارئ مشفى؟!
نصحه الطبيب بعدم الثورة والانفعال لاتفه الأسباب، وبعد ان اجرى الكشف الطبي قال لحامله: ان هذا يجب ان يبقى لدينا تحت الملاحظة الطبية ما يقل عن اثنتين وسبعين ساعة!! فاستجاب مكرها!! وبدأ فصل آخر من المعاناة والعلاج والمقاومة الشرسة لكل ما هو عادل!! ولكل ما يثير الأعصاب!! فكان هادئاً ذو سحنة تدل على الرزانة والسمت!! وهكذا انتهى فصل تام من الكآبة والسوداوية والحزن والقلق والوجل بسبب قوة صموده وإرادته القوية!!؟.
|