يحاول الروائي أن يخلق من خلال إبداعه عالماً موازياً للواقع، قد يتقاطع معه في بعض النقاط، وقد يفترق أيضاً، لكن في كل الأحوال يبقى الواقع بكل أبعاده حتى الميتافيزيقية منها هو الخلفية التي تتشكل خلالها ملامح العمل الروائي، وفق رؤية إنسانية تحاول إعادة صياغة العلاقة بين الأشياء والمفردات وصولاً إلى الواقع الحلم وربما بحثاً عن مدن يسكنها طيف أفلاطون. ويبقى الإنسان بكل أحلامه وآماله وانكساراته هو محور الابداع الروائي، حتى وإن اتخذ ذلك الإبداع طابعاً فانتازياً، إلا أنه من خلال ذلك قد يشد القارئ إلى واقعه الحقيقي ويدفعه إلى التفكير فيه بشكل فاعل وتأملي.
وقد يكون ذلك الهاجس الحلم دافعاً مشتركاً لكل فنون الإبداع، إلا أن الرواية ربما باعتبارها الفن الأكثر اقتراناً بهذا العصر والأكثر انفتاحاً على فضاءات متعددة تستوعب جميع الفنون تبقى هي الأقدر على الغور في مجاهل الذات الإنسانية بكل تجلياتها وبالتالي الأكثر قدرة على التعبير عنها واستيعاب تناقضاتها.
ولا أدري إذا كان ذلك يعني أن ثمة نوعاً من التناسب بين ثراء وتنوع الواقع الاجتماعي وبين مستوى الابداع الروائي؟
في كثير من الروايات العربية تبرز بشكل واضح ثنائية الريف المدينة حيث يتم من خلالها رصد العديد من التناقضات والتحولات الاجتماعية، كما أن المكان بما له من ذاكرة تاريخية حضارية تمتد عبر أزمنة عديدة يشكل مرجعاً هاماً يوسع آفاق الإبداع الروائي.
إلا أن الواقع هنا قد يكون أكثر تعقيداً ربما بسبب تلك الجغرافية الشاسعة والمتباينة،التي يصعب الحديث معها عن بنية متجانسة ترتبط بعلاقات نفعية تبادلية، وحتى لو حاولنا استبدال ثنائية الريف المدينة بثنائية الصحراء المدينة مثلاً فإن ذلك أيضاً قد لا يكون دقيقاً حيث توجد صحارى متمايزة لكل منها ذاكرتها وفلكلورها، وهو ما ينطبق على المدن أيضاً، مما يعني إلى حد ما تشتت الفضاء المشترك الذي تنصهر ضمنه الأصوات المتعددة والتي تشكل بالإضافة إلى العناصر الأخرى مرجعا هاماً في صياغة النص الروائي.
ورغم المخزون التراثي الهائل الذي يرفد ذاكرة المكان الأمكنة متمثلاً بالعديد من الأحداث التاريخية والمرجعيات التراثية والفلكلورية من حكايات وأساطير وغيرها إلا أن ثمة ما يشبه الانقطاع في الذاكرة التاريخية، ذلك عدا تلك المعوقات الاجتماعية وسواها المعروفة.
في ظل تلك الظروف هل يمكننا الحديث عن رواية محلية ذات سمات وخصائص محددة؟ أو ربما عن تاريخ أدبي تنتظم ضمنه تلك الرواية، بمعنى آخر هل يمكن مثلاً اعتبار الروايات الأولى للمرحوم السباعي تشكل مرجعية للرواية المحلية؟ وهل يسهم ذلك النشاط الإبداعي الجديد في مجال الرواية في بلورة ملامح جديدة للابداع الروائي المحلي مستفيداً من بعض التحولات، ومن التقنيات العديدة المتاحة في مجال الابداع الروائي؟
|