Tuesday 11th June,200210848العددالثلاثاء 30 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

بعد كارثة الاستنساخ: بعد كارثة الاستنساخ:
التكنولوجيا العصبية تعبث بمخ الإنسان

  أجرى علماء الأعصاب تجربة بسيطة يحاولون من خلالها الكشف عن طبيعة الاكتئاب وكيفية معالجته. التجربة ببساطة شديدة كانت عبارة عن تعريض مجموعة من السيدات لشحنات كهربائية متتالية، غير ضارة، من شأنها إثارة مشاعر سارة لديهن. بعد فترة من الوقت، لم تشعر النسوة بأضرار الشحنة الكهربائية، وسرعان ما شعرن بعاطفة قوية تجاه الأفراد الذين أجروا التجربة.
كانت التجربة بسيطة في نظر البعض، وتافهة في نظر البعض الآخر؛ لكن الكل أجمع على خطورة مدلولاتها ونتائجها، ثم أثارت بعد ذلك ضجة في الأوساط العلمية، خاصة بين علماء النفس والأمراض العصبية.
فبعد الانتهاء من تلك التجربة وإعلان نتائجها، تعالت صيحات الرفض والانتقاد.
وقال بعض العلماء إن هذه التجربة تعد الأولى من نوعها في تاريخ علم الأعصاب، وتشكل خطرا هائلا على الرقي الأخلاقي للإنسان واستقلاليته، بل ذهب البعض لأبعد من ذلك وأكد أن نتائج هذه التجربة ستفوق في خطورتها خطورة الاستنساخ.
فعلميا، يوجد في كل إنسان خريطة جينية تعد المسؤولة بصفة مباشرة عن سلوكياته وتصرفاته. خطورة التجربة هي أن الجينات تمارس تأثيرها من خلال المخ. مثلا، إذا أردت التنبؤ أو التحكم في سلوك شخص ما، فالمخ هو نقطة الانطلاق. ما الخطورة في ذلك أيضا؟
بعد عقد من الزمان أو أقل، ومن خلال إجراء عملية مسح لخريطة المخ في الإنسان، سيكون بمقدور العلماء التنبؤ إذا ما كان فلان سيتعرض لهذا المرض العقلي أم لا، أو إذا ما كان معرضا للإصابة بالاكتئاب أو العنف، هذا في حد ذاته تطبيقات مفيدة لاغبار عليها، لكن بنفس القدرة، سيكون من الممكن التحكم في زيادة نسبة الذكاء لدى هذا، أو الإسراع بتعرض ذاك للأمراض العقلية، باختصار، سيكون باستطاعتك تخليق جيل كامل يعاني من أشد درجات التخلف أو آخر يتحلى بأعلى مراتب الذكاء.
من هنا يبدأ الخلاف والجدل، صحيح أن الاستنساخ مازال صاحب أكثر الموضوعات العلمية إثارة للجدل والاختلاف على المستويات العلمية والدينية والاجتماعية، وحتى السياسية؛ لكن مازال الأمر في أيدي الحكومات التي تصدر تشريعات بمنع إجراء عمليات الاستنساخ أو تنفيذها وفق شروط في غاية الصرامة.
لكن في حالة علم الأعصاب وتجاربه، فلا تجدي أي تشريعات أو قوانين تسنها الحكومات أو المعاهدات الدولية. ومن المعروف تاريخيا أن علماء الأعصاب لم يفكروا يوما في العبث بالتركيب الوراثي للأعصاب، والوحيد الذي أجرى تجربة عن التحكم في مشاعر الحب والكراهية عن طريق التحكم في الإشارات المرسلة للمخ لم يجرؤ على تطبيق التجربة على الإنسان بعد نجاح تطبيقها على الفئران.
ساعتها أوضح هذا العالم أن تجربته تأتي على سبيل «التسلية»، ولما سألوه عن امكانية تطبيقها على الإنسان، رد متهكما: « الإنسان؟ ما علاقة الإنسان بهذا الموضوع؟ عملنا كله على الفئران».
تغير الموقف الآن، وتجاوز علماء الأعصاب الحدود الممنوعة وشرعوا في تجاربهم الخطيرة، وبعد مرور مائة سنة وحدوث تغييرات جذرية في الطبيعة الإنسانية، وإذا سألت الجميع عن السبب الرئيسي في هذا التغيير المشين، سيرد عليك الجميع في نبرة واحدة مؤكدين «علماء الجينات والأعصاب».
إذا لا تكفينا مصيبة الاستنساخ لتحل على رؤوسنا كارثة التكنولوجيا العصبية التي تعرضنا لكوارث خلقية وأخلاقية لا حد لها.
الأخطر من ذلك أن هذا التحدي الذي تفرضه علينا التكنولوجيا العصبية لم يلتفت إليه بعد المشرعون أو الحكومات أو الرأي العام. فكل هؤلاء لم يسمعوا بعد بأنباء هذه القضية، ومازالوا مشغولين بالأوهام والتجارب الفارغة لعلم الجينات الذي بدأ بالعبث في التركيب الجيني للنباتات (كلنا نسمع بالطبع عن الأغذية المعالجة وراثيا)، وسينتهي حتما بالعبث في العقل البشري دون مراعاة أي قدسية له.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved