يقال إن الأمم العظيمة تولد من رحم الحروب والمآسي، وهي سنة طبيعية تخضع لقانون التحدي والاستجابة، حيث تتحول المصاعب والمعوقات الى محفزات تحفز أقصى الطاقات الكامنة التي تجعل من الصعاب وقوداً وتجعل من لهيبها طاقة متوهجة تأخذ من المنحدرات إلى القمم وتحول الفحم الى حجر كريم ونادر. ولا أحد يستطيع ان ينكر أننا تعرضنا لمنعطف تاريخي صعب وقاس بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر، وانطلقت ابواق ضدنا بشكل مسعور وحاقد وتنتفي وإياه بديهيات قد اتفق عليها العالم منذ أوقات طويلة، وعلى الرغم من هذا فقد ظلوا ينظرون إلينا وفق منظار أحادي يعجز أن يمسك الصورة من خلال جميع اتجاهاتها وتحولاتها. ومن خلال هذا كله اخذت المملكة الى قلب الحدث وسلطت عليها الأنوار والمساءلات، وتبارى مراسلو العالم بالفوز بتغطيات صحفية حول طبيعة التركيبة الاجتماعية في هذا البلد الخجول المحافظ، وعن آفاق تجربته الحضارية منذ توحيد المملكة واكتشاف النفط الى يومنا هذا، وقد ساهم الدور التاريخي للمملكة في صراع الشرق الأوسط وعلاقتها التاريخية مع دول الجوار بإحاطة المنطقة بالعديد من علامات الاستفهام.
ولكن ما الباقي من هذا كله؟؟ ماذا نحتاج وما هي أولويات هذه المرحلة الحرجة؟؟
فإذا افتخرنا بالمنجز الوطني على العديد من الاصعدة لابد من ناحية اخرى أن نتوقف عند الكثير من الامور ونراجع الكثير من القضايا التي لابد ان تنزل من أرفف التأجيل والتسويف الى حيز المراجعة والمساءلة والنقاش، وأن يتحمل كل مسؤوليته بالكثير من الأخطاء والهفوات.
الغريب في الأمر أن الكثير من الجهات الإعلامية لدينا ما برحت تتوسل أو تستعين بنظرية «المؤامرة» في تفسيرها للكثير من القضايا في العالم الخارجي أو لربما تتخذها طريقة للرد والتفسير بل وتعليل ما يجري ضدنا، وكأننا أمة منزهة عن الأخطاء أو النقائص، وكأنها بشكل ساذج وسطحي تحاول أن تبرر الأخطاء وتغطيها.. على حين أن صلب التكليف الإلهي للبشر يقوم على الاعتراف بأن الإنسان خطّاء وبأنه ظلوم جهول، وأن محور ابتلائه يكمن في تحدي أخطائه ونزواته وهفواته في مقاومتها والتغلب عليها.. وهذه المقاومة تتم عبر الوقفات الطويلة مع الذات وفتح باب الحوار والنقاش لجميع الأطراف، والاستعانة بتجاربنا التي لم تعد قصيرة في جميع المجالات، وإحالة جميع مشاكلنا الى إعادة النظر ومن ثم إعادة النظر في الكثير من سبل المعالجة والتشغيل. اللغة الغريبة التي لم نعد نفهمها وباتت نشازاً على لغة المرحلة هي إصرارنا المستميت على أننا نمثل الكمال بجميع تفاصيله، وأننا مستهدفون عالمياً بسبب هذا الكمال، هذه نزعة غرور وشوفينية وتعال بالإمكان أن تهلكنا، وجميعنا نعرف ماذا يحل بالذين يدعون الكمال ويطمئنون إليه {وّكّانّ لّهٍ ثّمّرِ فّقّالّ لٌصّاحٌبٌهٌ وّهٍوّ يٍحّاوٌرٍهٍ أّنّا أّكًثّرٍ مٌنكّ مّالاْ وّأّعّزٍَ نّفّرْا وّدّخّلّ جّنَّتّهٍ وّهٍوّ ظّالٌمِ لٌَنّفًسٌهٌ قّالّ مّا أّظٍنٍَ أّن تّبٌيدّ هّذٌهٌ أّبّدْا وّمّا أّظٍنٍَ پسَّاعّةّ قّائٌمّةْ وّلّئٌن رٍَدٌدتٍَ إلّى" رّبٌَي لأّجٌدّنَّ خّيًرْا مٌٌَنًهّا مٍنقّلّبْا}
|