المساجد بيوت الله، هل يحتاج المسلم إلى وصفٍ آخر حتى يشعر بقيمتها؟؟ ألا تكفي إضافتها إلى الله عز وجل؟
المسجد روضة المسلم، واحته التي يجد فيها الراحة من عناء الحياة، ومتاعب العمل الدنيوي، وترقى فيها روحُه عن صغائر الدنيا، وتتسامى مشاعرُه حينما يصبح على صلةٍ بربه عز وجل في لحظاتٍ ينشرح فيها الصدر، ويطمئن القلب، وتهدأ النفس، ويغسل المصلِّي الخاشع عن وجدانه أدرانَ رغباتِ النفسِ وشهواتها، إنها لحظات الصَّلاة الخاشعة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، والتي كان ينادي بها الحبيبُ المصطفى صلى الله عليه وسلم مؤذنه بلال بن رباح رضي الله عنه حينما يحتاج إلى الراحة من عناء الحياة «أرحنا بها يا بلال».
لحظات الصلاة المليئة بالسكينة والاطمئنان التي يحتاج إليها الإنسان ليغتسل بنهرها الصافي من أوضار الحياة.
إنها لحظات السموِّ عن الدنيا وما فيها ومَن فيها وكفى.
أما المقابر، وما أدراكم ما المقابر؟!، فهي المسكن الهادىء الذي لا تسمع فيه صوتَ متحدِّث، ولا آهةَ متوجِّع، ولا بكاء حزين، ولا ضحك مسرور، المقرُّ الساكن الذي لا تسمع فيه صوتَ منبهٍ يوقظك، ولا رَنَّة هاتف تزعجك، ولا موسيقى صاخبة تؤذيك، ولا كلمةً جارحة تؤلم مشاعرك..
المقابر.. مكان السكون.. المقرُّ الذي ليس لي منه مَفَرّ، الموقع الذي لا مناص لأحدٍ من البشر من زيارته، والسكن فيه حتى يقوم الناس لرب العالمين، بعد أن تنتهي هذه الرحلة الدنيوية التي كتب الله سبحانه وتعالى لها زمناً محدوداً لا يعمله إلا هو.
وبين المساجد والمقابر جسرٌ ممتدٌّ من الصِّلة التي لا تخفى.. فالمسجد يتيح للإنسان أن يتصل بربه في صلواته المفروضة اتصالاً يهيّء له ما يريحه في قبره، فما تخلو صلاةٌ من دعاءٍ بالوقاية من عذاب القبر، وما تخلو صلاة من قراءة قرآن وتسبيح وتهليل وتكبير وتحميد، ومن دعاءٍ يرفعه المصلي إلى السماء، وهذه الأعمال الجليلة إذا أخلص المسلم سببٌ في تحويل «القبر» على ضيقه وظلمته إلى روضةٍ من رياض الجنة، فما أدقَّها من علاقة وما أعظمها من صلة.
هذه المساجد بجمالها وهدوئها، وتلك المقابر برهبتها وسكونها، تشكو من غفلة كثير من المسلمين في هذا العصر، وتعاني من فقدان الإحساس بها وبمعانيها عندهم.. وإذا كانت مظاهر الغفلة في حياة البشر كثيرة، فإن الهدف من عنوان هذه المقالة الإشارة إلى واحدة منها، فيها من الإزعاج، وعدم التقدير للمكان، ولمن فيه من الناس ما يستحق أن نعمل جميعاً على إزالته.
هل تصدق أنَّ الموسيقى والنغمات الراقصة أصبحت من الظواهر المسموعة في المساجد والمقابر؟؟
أجهزة الجوَّال «الأنيقة» تقول: نعم
لا يكاد الإمام يكبر في المسجد حتى تفاجأ بأصواتٍ تنبعث من هنا وهناك بنغمات مختلفة من جوَّالات مختلفة تستقر في جيوب كثير من المصلين ومعها الغفلة التي توحي بعدم دخول هؤلاء الناس دخولاً روحياً حقيقياً في عالم الصلاة الفسيح. لماذا هذا التهاون، وإلى متى يظل هذا الأَذى؟
وما تكاد تشيع جنازةً إلى مقبرة.. إلى مواقع الموعظة والعبرة والذكرى الحيَّة الماثلة للعيان حتى تسمع أنغام «الجوَّالات» تختلط مع أصوات المجارف التي تُهيل التراب على «الميت»، وترى صاحب الجوَّال الموسيقي يرفعه إلى أذنه ويستغرق في مكالمة ضاحكة تُوحي بأنه يعيش في غاباتٍ من الغفلة وموت الضمير، ناسياً أنَّ التراب سيُهال عليه ذات يوم، كما أُهيل على صاحبه اليوم.
إشارة:
موسيقى وأنغام أجهزة الجوّال ظاهرة غفلةٍ مؤلمة عن حُرْمةِ بيوت الله، ومقابر المسلمين، فمتى تستيقظ القلوب الغافلة؟؟
|