في جوف كل حكمة ناطقة حكمة صامتة هي النقيض: فإن يكن من الصحيح أنه (على قدر أهل العزم تأتي العزائم..) كما يقول صدر بيت المتنبي، فإنه من الصحيح أيضاً أنه (على نقص هذا العزم تأتي الهزائم..). وتطبيقاً لمضامين ذلك على واقع الأمم فمصير الأمم يتقرر على قدر عزائمها واستجابتها للتحديات التي تواجهها. فهكذا فسر العالم الإنجليزي الشهير (أرنولد تويني) حركة وسيرورة التاريخ، فسنة الحياة كما هو معنى قوله ان تواجه كل أمة من الأمم أنواعاً عدة من التحديات، غير أن مصير الأمة لا يقرره حجم التحدي بقدر ما تقرره نوعية وكمية الاستجابة إلى هذا التحدي. فإن فاقت عزائم الأمة بالكمية والنوعية تحدياتها نجحت في اختبار التاريخ، والعكس صحيح أيضاً: ففي حال انتصر التحدي بضعف الاستجابة فهذا هو الرسوب الذي يعني أن ثمة خللا ما في كيان هذه الأمة.. بل إن الأمر أسوأ من ذلك حيث إنه بتكرر ضعف الاستجابة في مواجهة التحدي، كما يقول العالم المذكور، تضعف هذه الأمة تدريجيا وفي النهاية يكون مصيرها الانهيار.. (يا ساتر استر!).. هذا هو ما أسر به لساني إلى لسان حالي وذلك بمجرد أن تذكرت استجابة أمتنا العربية مع ما واجهها -ويواجهها- من التحديات الحديثة والمعاصرة.
فمَنْ ذا الذي يستطيع انكار حقيقة أن تمسكنا بقضايانا القومية حينما كان عالمنا العربي مستعمراً كان أقوى بمراحل من تمسكنا بهذه القضايا بعد رحيل الاستعمار، وما السبب في ذلك؟ لا أدري..غير أن ثمة علاقة وطيدة بين (التماسك والتمسك)... أقصد بين التماسك فيما بيننا والتمسك بحقوقنا، فأحدهما يزداد بازدياد الآخر وينقص بنقصانه. فحينما كان الأمر في السابق محوره قاعدة (بلاد العرب أوطاني..) فقد كان الشعار هو «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة» قذفا بإسرائيل في البحر، ومع ازدياد التحديات (ونقص الاستجابات)، ازدادت الانهيارات، مما أولج العرب في متاهات مؤتمرات السلام المزعوم، لتتقلص الأهداف إلى حد القناعة بما لا يقنع... مجرد كينونات تفتقد أقل مقومات الكينونة..
..إنها حالة لا يصورها سوى أغنية الفنان الشعبي التي لا أتذكر منها سوى مطلعها الذي يقول: (لا تحدى وأنت ما تسوى التحدي..!)..، ومني إلى الصديق/ الزميل عبدالله بخيت حيث قد نسيت أي الفنانين هو: فهل هو فهد بن سعيد أم بشير شنان.. أم هل هو سعد التنكة..؟!
|