تعاني أسواقنا المحلية من ظواهر سلبية تؤدي إلى كثير من المشاكل التي تتطلب كثيراً من الحلو، هذه المشاكل جاءت نتيجة لبعض التغيرات العالمية التي صاحبت الانفتاح الاقتصادي العالمي وحرية التجارة الدولية وانفتاح الأسواق وظهور الشركات العملاقة ممانتج عنها بعض القضايا كالإغراق والمنافسة والاحتكار نتج عنها بعض المشكلات التي تواجه مصانعنا المحلية.
إن أحد مظاهر الإغراق والمنافسة التي تعانيه مصانعنا الوطنية مثلاً هو ما أوردت صحيفة الرياض في عددها الصادر بتاريخ 2 ربيع الأول 1423هـ الموافق 14 مايو 2002م أن «42» مصنعاً بالمدينة الصناعية الثانية قد توقفت عن الإنتاج، هذه المصانع متخصصة في منتجات مختلفة ومتنوعة ما بين الأقمشة والمنتجات البلاستيكية والمواد الطبية والمواد الكيماوية والورقية والمنظفات الصناعية ودباغة الجلود والعطور وقطع غيار السيارات والمفروشات ومنتجات القطن وغيرها من المنتجات، أرجع البعض هذا التوقف إلى قصور في السياسات التسويقية والبعض الآخر أرجعه إلى السياسات التجارية الخارجية التي لها دور رئيسي في هذا التوقف متمثلاً في ذلك في سياسة الإغراق بالإضافة إلى المنافسة الخارجية للمنتج السعودي.
ولكن في العدد التالي لجريدة الرياض عقّب الأستاذ سيف الرميحي الأمين العام للمدينة الصناعية وقال: إن القائمة التي وردت بالصحيفة تضمنت مصانع منتجة أو تحت التأسيس. المهم أن هناك بعض المشاريع التي تواجه مجموعة من المعوقات والصعوبات يلزم دراستها لمعالجتها.
هناك عدة معوقات من الضروري العمل على تذليلها لأن درء المفاسد أولى من جلب المنافع هذه المعوقات تتمثل في:
1 كثرة المراجعات والإجراءات الروتينية في الجهات الرسمية حيث إن المدة التي تؤخذ للحصول على التصاريح والموافقات والرخص والتمويل تستغرق وقتاً وجهداً كبيراً بالنسبة للمستثمر السعودي وبالتالي يضيع وقت وجهد وتكلفة كبيرة بالنسبة للمستثمر الوطني والأجنبي أيضاً.
2 تأخر التمويل من بعض الجهات الممولة مما يضيع كثيراً من الوقت والجهد للمستثمرين.
3- من أهم معوقات التنمية الاقتصادية بصفة عامة والتنمية الصناعية بصفة خاصة هو إيجاد السوق الذي يستوعب المنتجات وسوق المملكة سوق واسع وسوق منافسة حقيقية ولكن أسعار المنتج المحلي تزيد في بعض الأحيان عن مثيلتها المستوردة المتاحة في نفس الوقت بجانبها في السوق.
4- تقديم بعض الدول المجاورة عدة تسهيلات للمستثمرين مما يؤدي إلى جذبهم.
5- التأخر في منح أو توفير وإصلاح الأراضي الصناعية والمرافق والخدمات المساندة لها للمستثمرين مما يضيع عليهم كثيراً من الوقت.
6- المنافسة والإغراق والاحتكار ووجود ماركات عالمية منافسة لصناعاتنا الوطنية وكثرة إجراءات التصدير.
ويؤدي الإغراق إلى كثير من الآثار التي تتأثر بها الدولة المستوردة للسلعة التي تغرق السوق منها:
1- انخفاض إنتاج المصانع المحلية المنتجة لنفس السلعة أو لسلعة متشابهة.
2- انخفاض أرباح الشركات المحلية المنتجة لنفس السلعة أو لسلعة مشابهة.
3- قد يتم تسريح عدد من العاملين مما يزيد من أعداد البطالة.
إلا أن هناك بعض المستفيدين من حدوث عملية الإغراق منهم:
استفادة المستهلكين من انخفاض الأسعار.
المنتجون المحليون حيث يؤدي الإغراق إلى سعيهم نحو تحسين وضعهم التنافسي من حيث الجودة والسعر.
إن هذه المعوقات لا تدعونا للتشاؤم حيث ان الاقتصاد الوطني قد شهد خلال عام 99 ـ2000م تطورات هامة كان أبرزها خفض العجز الداخلي والخارجي وخفض معدلات التضخم واستقرار سعر الصرف.
كما شهدت نفس الفترة استمرار الأداء الجيد للقطاع الخاص وسداد المتأخرات للمقاولين والمزارعين لدى الحكومة وتسارع عمليات الخصخصة وتشجيع الاستثمار الأجنبي ومن أهم المؤشرات الإيجابية هي صدور منشور ملكي بإنشاء وتنظيم المجلس الاقتصادي الأعلى ليتولى بلورة السياسة الاقتصادية ومتابعة تنفيذها كما قدر الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 3 ،521 مليار ريال مقابل 8 ،480 مليار ريال محققا بذلك معدل نمو اسمي قدره 4 ،8%، وقد انعكس ذلك على الدخل الفردي في المملكة إذ بلغ متوسطه خلال عام 2000م حوالي 8190 دولار مقابل 7550 دولار زيادة 5 ،8%.
وتشير البيانات المتوفرة خلال نفس العام إلى ارتفاع نسبة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 38% كما حقق هذا القطاع معدل نمو قدره 5 ،2% وعلى المستوى القطاعي ارتفع النمو في الصناعات التحويلية غير النفطية بالأسعار الجارية بنحو 3 ،6% وفي قطاع التشييد والبناء بنسية 1 ،2% وفي قطاع الكهرباء والغاز والماء بنحو 9 ،3% وفي قطاع النقل والتخزين حوالي 5 ،2% كما تطور عدد المصانع المنتجة من 2598 عام 1416هـ إلى 2907 عام 1420هـ وارتفع إجمالي التمويل من 163179 مليون ريال إلى 246840 مليون ريال عن نفس الفترة وارتفع عدد العمالة العاملة من 244877 عام 1416هـ إلى 276969 عامل عام 1420هـ أي أنه تم توفير عدد 55 ألف فرصة عمل خلال خمس السنوات الماضية ومن جهة أخرى قدر معدل نمو الصادرات غير النفطية بحوالي 56 ،1% لتبلغ 8 ،23 مليار ريال في الفترة الأخيرة.
ولكن من الضروري توفير الدعم اللازم لمؤسساتنا الوطنية حتى تستطيع مواجهة الإغراق ومشكلاته ولدعم القدرة التنافسية للصناعات الوطنية فإنها تحتاج إلى عدة نقاط رئيسية منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- تطوير أنظمة التعليم والتدريب لخدمة احتياجات الصناعات الحديثة وصحيح أن التدريب مكلف لكن الجهل أكلف.
2- مزيد من الحزم لتطبيق المعايير ونظم الجودة لتصل منتجاتنا الوطنية مصاف المنتجات الأجنبية.
3- إزالة بعض المعوقات البيروقراطية للتجارة وتسهيل الإجراءات الإدارية لأنها فيروسات التنمية الوطنية.
4- تحقيق مزيد من التسهيلات لجذب رؤوس الأموال الأجنبية الكبيرة وكذلك رؤوس الأموال المهاجرة إلى الخارج.
5- التنسيق مع الإدارات والجهات ذات العلاقة لتكامل وتنسيق الجهود والخدمات.
6- الإسراع في عملية الخصخصة ودعم القطاع الخاص لبعض المرافق.
7- توفير المعلومات للمستثمرين وإبراز دور أكبر للغرف التجارية حيث يحتاج القطاع الصناعي لتوفير المعلومات والدعم الفني والتسويقي اللازم للقطاعات الصناعية المختلفة بالإضافة إلى تقوية دور روابط الأعمال وسياسات مساندة للصناعات المتوسطة والصغيرة.
لذا فإن ما نتمناه في ظل العولمة وانفتاح الأسواق وإلغاء الحواجز والقيود وفي ظل الإغراق والانفتاح الاقتصادي وسيطرة الشركات متعددة الجنسيات والعملاقة والشركات الضخمة نتمنى أن يحظى القطاع الصناعي في ظل هذه التحديات بالتشجيع والدعم.
* مستشار اقتصادي ومدير دار الخليج للبحوث والاستشارات الاقتصادية
|