Monday 10th June,200210847العددالأثنين 29 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

إشراقة إشراقة
انحرافهم.. واحترافنا!!
محمد الطويان

الفضيحة الألمانية والتي لم تتكرر مونديالياً منذ 20 عاماً وأولوية الخروج المر من المرحلة الأولى لنهائيات كأس العالم الحالية فجرا غضب الوسط الرياضي الذي يرى أن هزيمة ألمانيا القاسية مسحت كل التاريخ الجميل والانجازات الكبرى التي حققها المنتخب في العقدين الماضيين..
فيما جاء الخروج المبكر محبطاً للآمال ودون مستوى الطموحات حيث كان الجميع يتطلع لأن يكون التأهل المونديالي الثالث كافياً للتسلح بالخبرة وتجاوز الرهبة إلى تحقيق انجاز لا أن ينتكس ليصبح «الفريسة السهلة» لفرق المونديال ومرماه طريقاً ممهداً للوصول إلى شرف لقب هداف المونديال..
وقد جاءت تعليقات وانتقادات واقتراحات الوسط الرياضي لشرائحه المختلفة عاطفية متسرعة كشفت عن طرحنا السطحي..
حيث وجد المتعصبون هذه الهزيمة فرصة فيمن يمثلون المنتخب من لاعبي النادي المنافس لناديهم فجاءت تعليقاتهم ومداخلتهم في أجهزة الإعلام مصبوغة بألوان فرقهم..
وتحفظ المدربون الوطنيون عن كشف مكنونات الانهيار التام الذي كان عليه المنتخب في مباراته الافتتاحية رأفة بحال زميلهم ناصر الجوهر وكأنه هو المسؤول وحده عما حدث!!
وانتهج المسؤولون أسلوب رفع المعنويات لانقاذ ما يمكن انقاذه وحفظ ماء الوجه في لقاءي الكاميرون وايرلندا.. وتأجيل فتح الملفات إلى حين العودة إلى أرض الوطن..
فيما تناقض النقاد في تعاطيهم لما جرى فمن متشائم عم سخطه كل ما يتعلق بالمنتخب وما يرتبط به من إداريين وفنيين ولاعبين إلى متفائل ركب موجة التبرير غير المقنع وطالبنا بنسيان ما فات والنظر بتفاؤل أكبر لما هو آت..
وكل ما سبق وما طرح وسيطرح عن المنتخب لا يعدو كونه افرازات عاطفية ولدها الخروج المبكر وهو ما اعتدناه بعد كل اخفاق وبالذات في دورات الخليج..
صوت واحد ألفته يعبّر عن منطق العقل ويدعو للحكمة في معالجة الواقع الرياضي للمنتخب حينما عبّر صاحبه عن أن الخروج الحزين والسريع قد جاء بعد تجربة الاحتراف التي أكملنا حتى الآن عشر سنوات تقريباً على تجربتها وهو ما يكشف خللاً في هذه التجربة.. ولكن صاحبنا لم يفصح لنا عن واقع الاحتراف لدينا كيف هو اليوم؟ وماذا يجب أن يكون؟ لأقول نيابة عنه وعن كل الغيورين على هذه الأرض المباركة وأهلها الطيبين انطلاقاً من الحديث النبوي الشريف «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»..
فالاحتراف برمته لا يتناسب مع شريعتنا ولا مع عاداتنا وتقاليدنا وأذكر أن صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد «رحمه الله» سئل غير مرة عن الاحتراف فكانت اجابته واضحة ومحددة بأنه لا يتلاءم مع طبيعة اللاعب السعودي المسلم.. ولا مع أعرافنا وعاداتنا وتقاليدنا، وها نحن نتربع على هرم الكرة الآسيوية ونمثلها في أولمبياد لوس أنجلوس دون احتراف.
والدول الغربية التي تطبق الاحتراف اختارت هذا الاتجاه لايجاد ضابط بين الأندية واللاعبين يكفل لكلٍّ حقوقه كونها لا ترتبط بدين ينظم حياة شعوبها ومنهم اللاعب.. ولا بوازع ديني يحتم على الأخير ممارسة هذه اللعبة بأمانة واخلاص ووفق روزنامة محددة..
أما نحن فننعم بفضل الله تعالى بنعمة الإسلام ذلكم الدين الكامل الذي وضع لكل ما يناسبه وجاء تنظيم يومنا بإقرار الصلوات الخمس في اليوم والليلة لانتظام برنامجنا اليومي دينياً ودنيوياً {إنَّ پصَّلاةّ كّانّتً عّلّى پًمٍؤًمٌنٌينّ كٌتّابْا مَّوًقٍوتْا}.
ولذا فلا نحتاج إلى احتراف لأن تنظيمنا جاء فطرياً..
وحينما أردنا الاحتراف ذهبنا إلى أوروبا لقراءة أنظمتهم فطبقنا ما يناسبنا وما لا يناسبنا من أنظمة الاحتراف لأنه اقرار في الأصل كان اجراء تقليدياً لمحاكاة الدول المتقدمة رياضياً وكأنه المقياس الأوحد للتقدم!! غير آبهين بالفوارق الدينية والاجتماعية وطبيعة اللاعب السعودي الذي يرى بأن مزاولة لعبة كرة القدم وغيرها من الرياضات ما هي إلا وسيلة للترفيه وصقل الموهبة وقضاء وقت الفراغ بما يفيد الجسم.
بينما اللاعب الأوروبي والذي يعيش خواء دينيا يرى أن مزاولته للعبة غاية وعلى ضوء ما يقدمه فيها يتحدد مصيره في الحياة..
أي أنهم يعيشون عيشة حيوانية لا ترقى لسمو نظر الإسلام لهذه الحياة.. فما هي مصلحتنا من الاحتراف طيلة عشر سنوات؟!
الحقيقة المرة أن الهزة العنيفة في النهائيات الجارية للمنتخب كشفت أننا نسير إلى الخلف في وقت كان الرسم المأمول هو التقدم إلى الأمام..
وما تعرض له المنتخب ينسحب على الأندية كبيرها وصغيرها والتي اشتركت مع المنتخب في الأداء غير المقنع حتى وهي تحقق الانجازات.. فعلى امتداد سنوات الاحتراف والتي حقق فيها المنتخب بطولة آسيا وفاز بكأس الخليج وتأهل للمونديال.. بيد أننا لازلنا نتذكر ابداعات جيل النعيمة وماجد عبدالله في الثمانينيات وهم يرسمون الابداع الكروي الماتع داخل المستطيل الأخضر في اشارة ضمنية إلى عدم قناعاتنا بالعطاء الحالي لمنتخبنا حتى وهو يتأهل ويصعد منصات التتويج.
ليس هذا فحسب بل إن سلبية الاحتراف ألقت بظلالها على الأندية بشكل عام.. كون النظام لم يشمل سوى ما نسبته 15% فقط من اجمالي عدد الأندية منها 25% استفاد من النظام وهي النسبة المتمثلة فيما يسمونها بالأربعة الكبار..
وهو ما أدى بالتالي إلى انحصار المنافسات الكروية عليها وغيب الفرق الأخرى كالاتفاق والشباب والقادسية التي كانت تنافس وحققت بطولات محلية وخارجية فتدنت مستوياتها إلى ما دون المتوسط وبطموحات لا تتجاوز البقاء ضمن الفرق الممتازة!!
وأحرق النظام الاحترافي الأخضر واليابس في الألعاب الأخرى للأندية الصغيرة في محاولة منها لتوفير ما لديها من سيولة لخدمة كرة القدم التي ارتفعت تكاليفها بفعل الاحتراف!!
وعلى الصعيد الفردي أدى تفريغ اللاعب إلى شعوره بأنه يعيش «بطالة مقنعة» وهو ما جعل برنامجه مقلوباً رأساً على عقب.. فهو يسهر حتى تباشير الصباح ثم يغط في سبات عميق حتى يرخي الليل سدوله ثم يذهب إلى التمرين ويبدأ برنامج حياته دون مراعاة لمواقيت الصلاة والعبادة ولا حتى الالتزام ببرنامج غذائي يساعده على بذل المزيد من الجهد والعطاء..
وأعطاه أيضاً شعوراً بعدم الارتياح النفسي بأن مستقبله غير مضمون وان عمره الاحترافي مهما طال يظل قصيراً فيكون بذلك تحت ضغوط التفكير فيما بعد الاحتراف.
وأرجو ألا يخرج علينا من يقول بأن اللاعب يستطيع تأمين مستقبله من خلال وفرة ما يتقاضاه حالياً..
فالواقع يكذب ذلك فاللاعب لدينا وخاصة في غير الأندية الكبار لا يتقاضى رواتبه إلا بعد أشهر وأكثرهم يُطالب بتنازلات تصل إلى الاكتفاء بنصف حقوقه!!
وهو ما غيب بروز المواهب أو لنقل ندرتها بشكل أدق فنحن اليوم حينما نرصد أبرز المواهب التي برزت هذا الموسم نجد أن النتيجة لم ينجح أحد! في وقت كنا نفخر بوجود كمّ من المواهب سنوياً قبل الاحتراف..
والمساحة تضيق عن حصر سلبيات الاحتراف الذي لا يناسبنا ولا يتناسب مع توجهاتنا ولا مع امكاناتنا..
ولو أن المدة الزمنية التي طبق فيها الاحتراف قصيرة لوجدنا العذر لهذه الهزة العنيفة التي تتعرض لها كرة القدم حالياً.. لكن صبرنا عشر سنوات على اخفاق الاحتراف غير قابل لتقبل المزيد من الضياع لأنه وبنظامه الحالي أقرب ما يكون إلى الانحراف منه إلى الاحتراف وهو ما يصلح لغيرنا وأما نحن فاحترافنا كما أشرت فطرياً ولسنا بحاجة لأنظمة وقوانين لا تتناسب مع شريعتنا ولا مع عاداتنا وتقاليدنا..
ولأن الرجوع إلى الحق فضيلة وليس عيباً أن نقع في الخطأ إنما العيب في الاستمرار فيه أرى أن الغاء الاحتراف بنظامه الحالي والعودة إلى نظام الهواة .. ونعطي الفرصة لمسيري الأندية لأن يمارسوا دورهم في توجيه اللاعبين الوجهة السليمة التي تكفل لهم حياة سعيدة هانئة بعيدة عن التنغيصات وارهاصات المصير المجهول وعدم الاعتماد على الكرة كحرفة مع الابقاء على مكافأة المبرزين والموهوبين في هذه اللعبة شأنهم بذلك شأن بقية المبدعين في المجالات الأخرى كأن يكون هناك مكافآت ثابتة لمن يصل إلى المنتخب كحافز تشجيعي يذكي روح التنافس بين اللاعبين لاحتلال موقع في التشكيل والعودة إلى جادة الصواب أدعى وأوفر أيضاً..
والله من وراء القصد.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved