من النادر، أن نجد انسجاما شبه كامل بين اثنين في هذه الحياة، غير ان الرجلين اللذين أقدمهما في سياق هذه الكلمة والزاوية اليوم، كان الوئام بينهما لا انفصام فيه، فهما من بلد واحد، وجيل واحد كذلك، وحتى دراستهما واحدة، وسنهما ليس فيها فروق جمعهما عمل واحد قبل ستين سنة بعيداً عن مسقط رأسيهما، فربطت بينهما الفردية وئاماً ومزيداً من قرب، واتفاق مزاج، وهما لا يحملان كبير هم للحياة في ذلك الوقت المبكر، والإنسان العزب أينما يمسي يرسي كما يقال والشباب دافع للحركة والتنقل وشغل الفراغ بما يحتاج والبساطة سبيل الى التكيف والانسجام في أي مناخ، لذلك كانت حياة صاحبي تتماشى مع ذلك الواقع المعاش، والإنسان الواقعي قد لا يكون له خيار فيما هو فيه، لذلك نراه يتكيف بتلقائية مع الظروف التي تحيط به، لا سيما حينما يكون حوله ثلة متقاربة معه في التفكير والحياة والتوجه العام.!
* هذان الاخوان العزيزان، اللذان عنيت في السطور الآنفة، هما: ابراهيم عمر غلام، حسين أبوبكر قاضي، كانا موظفين في هيئة المراقبة العامة في الرياض مع لداتهما من الاخوة مثل الأستاذين عبدالحميد مشخص، وأمين عبدالله القرقوري، وربما غيرهما، وكان الصديقان يحكيان المقالب، ويمارسان أعمالا شبابية تضحك من حولهما، وكانا سريعي الحركة والتنقل والسفر بين الرياض ومكة وجدة والمدينة، وربما كانت السبل المتاحة للتنقل بالبر أكثر، لأن حركة الطيران محدودة، ولكن على الشباب الأمور ميسورة، إذ لا هموم، وكما يقال: «العافية ستارة».
* والحديث عن الأخوين الغلام، القاضي يطول، لأن لهما نوادر وحكايات شاعت بالأمس وآثارها باقية، وما أجمل أن تستمتع بها من خلال حديث أبي نزار الطلي، وهو يروي المقالب والنوادر في حياته وصاحبه ومن حولهما، ومن له صلة بهما، وذاق من مقالبهما المتجددة هنا وهناك، خلال تلك الأيام الوادعة الهانئة، رغم ما يكتنفها من قسوة الحياة، ومع ذلك فالحال ميسورة، والنفوس سمحة، وقريب بعضها من بعض.!
* في أيام غير بعيدة، كنت ألتقي بالصديقين والأخوين الحميمين، في دار أحدهما، وكنا نتناول الحديث، وقد استقرت بهما الحياة في البلد الطيب، في طيبة، واستمع الى أطراف الذكريات في الأيام الخوالي، وكنت أطالب الأخ حسين قاضي ان يكتب شيئاً من ذكرياته، التي تستحق ان تدون وأن تقرأ، وكان يعد بذلك، وكنت أقول له: سجل ذلك في أشرطة، ليكون تفريغها متاحاً في أي وقت.. غير ان الرجل كما يبدو أصبحت حركته بطيئة، وغزته الأسقام في سن الشيخوخة، فلم يسجل شيئا حتى وراه الموت خلال شهر صفر 1423هـ، رحمه الله برحمته الواسعة، وقد كان رجلاً كريماً محباً، له صداقة عريضة، من ذلك التاريخ المبكر، وحين أصبح في صندوق التنمية الزراعي.
* كنا نلتقي كل رمضان على مائدة الرجل الكريم الدكتور احمد محمد علي رئيس بنك التنمية الإسلامي، ونلتقي في دار السيد حبيب محمود في المدينة، وعبر المناسبات حينما أغدو الى دار الحنان والسكينة، على ساكنها صلوات الله وتسليماته.
* كان العزيزان الغلام والقاضي وفيين لمن يعرفان، مع سماحة في النفس، وأدب الحديث، والتسآل، والروح اللطيفة المشرقة، في ود ولطف وصفاء وخلق.. رحم الله حسين قاضي ورطب ثراه بفضله ومنّه، وبارك في عمر الأستاذ إبراهيم غلام وحفظه.
|