كان مضمون مقال الأسبوع الماضي يدور حول فكرة أن كون الأمر هاما لا يعد شرطا كافيا لتوجيه الموارد الاقتصادية والمالية لصالحه، بل لا بد ان يحتل مكانة مناسبة في قائمة الأولويات. وذلك لأن الموارد مهما كانت متوافرة إلا أنها لا يمكن ان تفي بجميع المتطلبات، فكان من اللازم ترتيب الاحتياجات بناء على أهميتها ومن ثم توجيه الموارد نحو الأهم فالأقل أهمية وهكذا.
أمر آخر لا بد من مراعاته في البرامج التي تنفذها القطاعات الحكومية على وجه الخصوص وهو ضرورة انسجامها وعدم تعارضها لئلا يبطل بعضها بعضا وبالتالي تظل الأهداف حبرا على ورق. فإذا كان برنامج وزارة المعارف لتدريس اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية سينفذ بواسطة مدرسين غير سعوديين فإن فيه تعارضا واضحا مع برامج السعودة التي تسعى الحكومة جاهدة لتنفيذها والتضحية ببعض البرامج على الرغم من أهميتها أو تأجيلها أمر وارد إذا كانت تتعارض مع برامج أخرى أكثر أهمية.
والأخطر في تعارض البرامج والسياسات هو ما يترتب عليه من تزايد الإنفاق العام بدون جدوى وبدون تحقيق للأهداف وربما يصل الحال الى ان يصبح إلغاء البرامج المتعارضة أكثر جدوى من الاستمرار في تنفيذها لما يترتب عليها من أعباء مالية في جهة ونتائج يلغي بعضها بعضا في جهة أخرى.
وتعارض البرامج وآثاره السلبية لا يقتصر على النواحي الاقتصادية فقط، بل يأخذ أبعاداً متشعبة. فتدريس اللغة الانجليزية لطلاب المرحلة الابتدائية ربما يؤثر بشكل قوي على تحصيلهم العلمي في مواضيع أخرى أكثر أهمية في حياتهم وتكوينهم الشخصي والعلمي في هذه المرحلة العمرية الحساسة. ويتعاظم الأثر السلبي إذا كان من سيقوم بمهمة التدريس أشخاص لا تعد العربية لغتهم الأصلية وليست الإنجليزية كذلك، فماذا سيتعلم الأطفال في المدارس؟ هل سيتقنون العربية بلكنة هندية أم الانجليزية بنفس اللكنة.
يرى الاقتصاديون أن دراسات الجدوى ليست مختصة فقط بالمشروعات الخاصة أو بتلك التي تهدف الى تحقيق الربح بل إن نطاق اختصاصها يمتد لبرامج الإنفاق العام. فهي تخضع لدراسات شبيهة بدراسات الجدوى تدرس من خلالها البدائل المختلفة ويتوصل عن طريقها الى أنسب البدائل وأكثرها عائدا أو أقلها كلفة، مع الأخذ في الاعتبار الأهداف العامة والسياسات التنموية الموضوعة من أجل ضمان تناسق جميع البرامج وسيرها في اتجاه واحد.
(*) قسم الاقتصاد والعلوم الإدارية جامعة الإمام محمد بن سعود. |