Monday 10th June,200210847العددالأثنين 29 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

إلى من مشت قدماها في طريق الوحل إلى من مشت قدماها في طريق الوحل
الشيخ سلمان العودة

وردتني رسالة من فتاة تستفسر عن حالها بعد شرح مطول ذكرت فيه وقوعها في حبائل الشيطان وانها انزلقت في دروب عفنة عن طريق الإنترنت..
وأقول لها.. قرأت أسطر رسالتك وحزنت لك فعلاً فإن من جرب مثل هذه الأمور أو اطلع على تجارب أهلها يشفق عليهم لأن الوقوع فيها سهل والخلاص منها صعب إلا لمن عصمه الله.
وإنني أعلم ولعلك تعلمين ان لو كنتما زوجين لم يقع بينكما كل هذا ولكنه اغراء الشيطان بالشجرة الحرام واستجابة الإنسان دون وعي بالعواقب {فّلا يٍخًرٌجّنَّكٍمّا مٌنّ پًجّنَّةٌ فّتّشًقّى"}.
ومثل هذه الاتصالات الهاتفية أو عبر البريد الإلكتروني أو عبر الماسنجر في الإنترنت تتحول إلى عادة سيئة وإدمان مقيت خاصة لمن يعانون من الفراغ ولا يجدون البرامج العملية المفيدة التي تملأ أوقاتهم.
أيتها الاخت الكريمة لو كان هذا الإنسان رجلاً فعلاً وجاداً فعلاً هل كان يركب هذا الطريق الوعر الذي يدري كل الناس انه ذنب مرذول؟.. وهل كان يقع ويوقعك في هذه الهوة الساحقة مع انه كان بإمكانه ان يسلك الطريق الحلال ويطرق الباب؟.. وإذا افترضنا ان ظروفه لا تسمح بذلك سواء الظروف الاجتماعية أو المالية أو غيرها فما معنى أن يتورط في هذا المنزلق الخطير؟.
إنني لا أفهم معنى لشاب يحفظ فتاوى العلماء ويشرف على مواقع إسلامية في الإنترنت ويمضي للحج والعمرة وهو في غضون ذلك يتواصل معك بهذه الطريقة المدمرة.
أما كان يؤذيه لو كان يحدث هذا من اخته أو بنته؟ وهل ترينه يرضى بك زوجة له؟ وهو يحتفظ عنك بمثل هذه الذكريات؟.
إنني اقترح عليك ان تطرحي عليه هذه الأسئلة وغيرها وان تطلبي منه ان يكون معك في غاية الشفافية والوضوح.
أما انت فاغمضي عينيك قليلاً وتخيلي نفسك بعد خمس سنوات وقد أصبحت زوجة وأماً وربة بيت هل يسعدك ان تلتفتي إلى ماضيك لتجديه ملطخاً بهذه الأعمال التي لا دافع من ورائها إلا اللذة، واللذة الحرام.
أم هل يسعدك أن ترى زوجك المخلص فتشعرين بالعار وتأنيب الضمير وأنت تخفين عنه ما لو علم لربما كان الفيصل بينك وبينه، أم هل يسرك ان تجدي تكديراً في حياتك وتنغيصاً لا تعرفين له تفسيراً سوى انه عقوبة لماض أحصاه الله ونسوه.
إن مما يجب ان تتبينيه ان هذه المشاعر المتبادلة بينكما مشاعر وقتية غير صادقة ولا تصمد أمام امتحان العمل لأنها ليست مبنية على أساس صحيح، ويغلب على ظني لو أن قيساً تزوج ليلى، وهما رمز الحب العذري لكان أجود ما تنتهي إليه حياتهم هو ان يعيشا في ستر ودرجة معقولة من الرحمة أو المودة.
لكن لم يكن بعيداً بالمرة أن يتصل قيس على والدها «هل أقول: بالهاتف» ليطلب منه أخذ بنته التي لم ترع للوداد حرمة!.
أو ان تتصل البنت بوالدها شاكية باكية على زوجها الذي لم يرع عهد الوفاء بينهما.
لقد مر عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق في دمشق بليلى بنت الجودي ومعها وصيفاتها فأعجب بحسنها وجمالها ولم يدر كيف السبيل إليها وكان يقول:


تذكرت ليلى والسماوة دونها
وما لابنة الجودي ليلى وما ليا
وكيف تعني قلبه عامرية
تحلُّ ببصرى أو تحلّ الجوابيا
وكيف يلاقيها بلى ولعلها
إذا الناس حجوا قابلاً ان تُلاقيا

فكتب عمر إلى صاحب الثغر الذي هي به: إذا فتح الله عليكم دمشق فقد غنمتُ عبدالرحمن بن أبي بكر ليلى بنت الجودي.
فلما فتح الله عليهم غنّموه إياها.
قالت عائشة: فكنت أكلمه فيما يصنع بها: فيقول: يا أُخَيّة، دعيني، فو الله لكأني أرشف من ثنايها حب الرمان.
ثم ملّها وهانت عليه، فكنت أكلمه فيما يسيء إليها كما كنت أكلمه في الإحسان إليها، وقد قالت عائشة: يا عبدالرحمن لقد أحببت ليلى فأفرطت وأبغضت ليلى فأفرطت، فإما ان تنصفها، وإما ان تجهزها إلى أهلها، فجهزها إلى أهلها.
وما تعطيه قصص الحب العربية هو مضمون قصص الحب الأجنبية والتي من أشهرها قصة روميو وجولييت!.
فلكي يكون الحب رومانسياً خيالياً يجب أن يموت أبطاله محرومين وهذا ما لا يستقيم عليه أمر الدنيا الذي يحتاج إلى التفكير العلمي الواقعي في بناء البيت والأسرة ورعاية الأولاد وتكوين المجتمع والتعاون في مواجهة صعوبات الحياة ومشكلاتها ومراحل العمر المتغيرة ولا يستقيم به أمر الدين الذي جعل الغاية العظمى هي العبودية لله وجعل الزوجية مجالاً واحداً من مجالات تطبيق هذه العبودية ولذلك قال الله تعالى: {وّمٌنً آيّاتٌهٌ أّنً خّلّقّ لّكٍم مٌَنً أّنفٍسٌكٍمً أّزًوّاجْا لٌَتّسًكٍنٍوا إلّيًهّا وّجّعّلّ بّيًنّكٍم مَّوّدَّةْ وّرّحًمّةْ} فما لا يحققه الزوجان بالمودة يحققانه بالرحمة ولذلك قال عمر: ما كل البيوت تبنى على الحب ولكن الناس يتعاشرون بالإسلام والحسب والمرؤة، وفي الصحيح انه صلى الله عليه وسلم قال: «كل معروف صدقة.. وفي بضع أحدكم صدقة» قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: «أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟» قالوا: نعم، قال: «فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر» رواه مسلم.
وهكذا ارتقى الإسلام بالإشباع الجنسي في فراش الزوجية إلى درجة أن يكون معروفاً وصدقة وأجراً وأن يُذكر عليه اسم الله تعالى.
بينما جعل الإشباع خارج هذا الإطار عدواناً وفاحشة وإثما مبينا ومن متَّع نفسه بالحرام فإنه يُحرم من كمال لذة الحلال جزاء وفاقاً وما ربك بظلام للعبيد فافزعي ايتها الاخت الكريمة إلى ربك توبة واستغفارا وذكرا وقرآنا واستحضاراً لعظمته ومراقبته وسمعه وبصره فإنك بمرأى منه ومسمع.
ثم افزعي إلى عقلك ورشدك ولا تقدمي على أية خطوة بمجرد العاطفة أو الهوى المحض حتى تتأملي في عواقبها على دينك وعلى سمعتك وعلى عرضك وعلى نفسيتك وعلى أسرتك وعلى حاضرك وعلى مستقبل.
أسأل الله تعالى ان يعصمك من الزلل وألا يكلك إلى نفسك طرفة عين وأن يأخذ بيدك إلى بر الأمان إنه هو الرحيم الرحمن.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved