Monday 10th June,200210847العددالأثنين 29 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الرئة الثالثة الرئة الثالثة
وللمواطن دورٌ في مكافحة (الأورام) الخبيثة في الإدارة!
عبدالرحمن بن محمد السدحان

أزعم بدءاً عبر هذه الرؤية المتواضعة ان للمواطن باعاً طويلاً في نشوء بعض الظواهر غير الحميدة ضمن مشهد العمل البيروقراطي، إما تحريضاً أو مشاركة أو تستراً ويتساوى مع ذلك القول بأن عليه واجباً في مكافحتها نأياً بنفسه عن ممارستها أولاً، ثم تعاوناً مع ذوي الشأن في ردعها كلما كان ذلك ممكناً، اقتداءً بالحديث الشريف (مَنْ رأى منكم منكراً، فليغيّره بيده، فمَنْ لم يستطع فبلسانه، فمن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).
الرشوةُ، مثلاً، بأنماطها (وطقوسها) ومسَمّياتها المختلفة، والوساطةُ غير الحميدة، بجسُورها وآلياتها المتباينة، والتستُّر على الخطأ المتعمَّد، كلّ هذه (أورام) داءٍ خبيث، ما إن يغزو بدنَ أيّ منشأةٍ إدارية، حتى يحيل حسناتها سيئاتٍ، وقد يجهز عليها سمعةً وتنظيماً وأداءً، وتلك هي المصيبةُ، أمّا إذا كانت المنشأة المعنيةُ ذات صلةٍ مباشرةٍ بمصَالح الناس، فالمصيبةُ أعظم!
هناك لا ريبَ روادعُ مكتوبة لتلك الأوبئة، تعجّ بها رفوفُ البيروقراطيين، أينما وُجدوا، وهناك العديدُ من (الأمصال) و(المضادات) والأوامر والنواهي الدينية والنظامية والأخلاقية والاجتماعية، إلى جانب البُنية الآلية والبشرية المسخّرة لاكتشاف (أعراض) تلك الأوبئة واحتوائها، ورغم ذلك .. يخطئُ الناس بالتعرّض ل (جرثومة) الوباء، عامدين كرَّةً، ومتساهلين أخرى، وجاهلين ثالثة، وإذا حاورتَ أحدَهم حول هذا الداء أو نصحته أو حذّرته، انتفض في مجلسه وراح يمطرك بوابل من المواعظ، تشخيصاً للداء وعلاجاً!
إذاً، لا يملك أحدٌ القولَ بأنّ أوباء الإدارة التنفيذية لم تجابه: علاجاً أو وقاية، لكن يبقى بعد كل شيء وفوق كل شيء أمران مكمّلان لمعادلة تشخيص الداء وعلاجه هما: الدقّة في تطبيق روادع الداء، وتعاون المواطن مع جهات الاختصاص في احتوائه: أساليب وآثاراً.
من جهة أخرى، أسلّم يقيناً بأنّ كل مسؤولٍ إداريّ معنيٌّ بتطبيق الأوامر والنواهي المقنّنة لهذا الأمر ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وهذا هاجسٌ يمليه حسنُ الظنّ وكرامةُ الواجب، لأن البديل لذلك إثمٌ، والمجاهرةُ به مصيبةٌ، ومن ثم يفترض ألاّ يتردّد مسؤول في ممارسة مسؤوليته النظامية والأخلاقية ضد هذا الداء: صيانةً وردعاً.
لكن.. تبقى قبل وبعد ذلك مسؤولية المواطن، لأنَّ معادلة التطبيق لا يمكن ان تحلّق بجناح المسؤول وحده، ولو حرص.. واجتهد.. وعانى في هذا السبيل، لا بد أن يكون للمواطن دورٌ ما يتمّم جهد المسؤول، ويعزز إرادة الدولة في التصدّي لهذا الداء الخبيث، ومشاركة المواطن على هذا النحو ليست ترفاً.. بل ضرورة، فهو الرابح الأول لثمار هذا الجهد، وهو الخاسر الأخير.. إذا تعثر الجهد.. أو فشل!
غير أن مشاركة المواطن في تلك المعادلة أمرٌ يعتريه شيءٌ من اللّبس، وشيءٌ من التردّد، وكثيرٌ من السلبية.
كيف؟
هناك المواطنُ الذي يتردّد ألفَ مرة قبل أن (يُبلغَ) عن موقف تكون الرشوة أو ما في حكمها طرفاً فيه، وإذا فعل، فهو كارهٌ، معللاً ذلك تارةً بالخوف من شبهة القذف، وأخرى بالرغبة في أن ينأى باسمه عن فتنة التورط في أمر لا يعنيه أصلاً، نفعاً أو ضراً، أو الرغبة في أن يدرأ الضررَ عن نفسه بألاّ يكون سبباً في أذى الغير!
وهناك المواطنُ الذي يجدُ نفسه طرفاً في موقفٍ مهينٍ للرشوة، فلا يُبلغُ أولي الشأن عنه، إمّا رغبةً منه في (تمرير) مصلحته ولو على حساب غيره، وكأنّه القائلُ (أنا.. وبعدي الطوفان)، أو رهبةً من الطرف الآخر، أن ينصبَ العراقيل والعقباتِ أمامه، إن لم (يتعاونْ) معه في بلوغ (غاية مشتركة)، وقد يحجب المواطنُ تعاونه مع الجهة المعنية بمكافحة الداء، ظنّاً منه أنّ بلاغه قد لا يصل مداه المنشود، فيؤثرَ الصمتَ ترجيحاً ل (السلامة)، ويتستّر على الطرف الآخر، رَغَباً أو رَهَباً!
وللحديث خاتمة.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved