Friday 31th May,200210837العددالجمعة 19 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

ضحى الغد ضحى الغد
الحياة جوهرة والبصيرة نافذة عليها
عبدالكريم بن صالح الطويان

* لا يريد أن ينام، يُريد أن يستيقظ للحياة وأن يحيا فيها، وأن يتدارك مضيها السريع فيلحق ما فاته، ويستكمل ما نقصه، ويُقوِّم معوجّه، ويستحصل الخير الذي يطلبه!
* لا يُريد أن ينام، فقد رأى في النوم فوت، وفيه غيبة، وزمنه عدم، وهو يُريد لعقله الحضور، ولوعيه الوجود، لكي يتمكن من انتهاز فرصته في الحياة فيعيشها واعياً لقيمتها آخذاً منها حقه كاملاً غير مبخوس!
* لا يُريد أن ينام لأنه نام كثيراً، وغفل كثيراً، وهذا التفريط جعله منتبهاً وحريصاً ومستيقظاً، فإن تدارك الفائت لا يُنال بمزيد من الغفلة، وإنما بمزيد من حضور الذهن، الذي يقتضي تحقيق المراد!
* لا يُريد أن ينام، لأنه رأى النائمين في اليقظة والفراش عاجزين عن فعل الحياة، غائبين عن واقع الناس، لا ينتفعون بحصتهم من الزمن، ولا بفرصتهم من الوجود فهم أحياء لكنهم موات وحاضرون ولكنهم في غياب!
* لا يُريد أن ينام، لأنه رأى الموتى قد تركوا اليقظة وفعلها، وهو اليوم حي منتفع من فعل اليقظة، مُدرك لقيمتها، حريص على ألا يُشبه الموتى وهو حي، وإنما الأحياء وهم واعون بانتباه لوجودهم!
* لا يُريد أن ينام، يريد أن يبقى واعياً لحياة يقبض عليها كقبضه لحفنة ماء ما أن يبسط يده حتى لا يجد منه شيئاً! يريد أن يتأمل هذه الحياة بصفاء وتحديد ليعرف أين هو منها وأين هي منه؟ وكيف يظل ملاحقاً لها لا متأخراً عنها ولا ساقطاً منها!
* لا يُريد أن ينام، ليس لأنه يريد الانتفاع من حاسة البصر، بل من أجل الاستفادة من نعمة البصيرة، حيث يتجاوز بها في عالم الخيال العقلي إلى مدركات لا يدركها في دنيا البصر! ذلك لأن البصر يكتشف من الجوهرة ظاهرها، لكن البصيرة تكتشف منها الحقيقة!
* لا يُريد أن ينام، يريد أن يفهم أكثر، ويعرف المزيد! يريد باليقظة مزيداً من الحياة والوعي، فالنوم لا يجلب العلم ولا الفهم ولا الحياة، إنه أشبه بالموت، وكذلك الوعي الخالي من التأمل والاستبصار إنه أشبه بالنوم، وأقرب للموت! إنه بحاجة إلى صفاء الذهن، وخطم النفس، وقيادتها بزمام، بحاجة كبرى إلى تدريب نفسي للإرادة لبعثها من ركام الإهمال والغفلة والتسويف!
* فكلما طال العمر بالإنسان استهوته الحياة، فغدا أسيراً لكثير مما يحب، أسيراً لعاداته ورغباته ومطالبه ولمن حوله، فإذا استيقظ من شبيه النوم كان حقاً أن يحرر نفسه ليخلصها من الأسر، ليبعثها بعثاً جديداً، لتستدرك الحقيقة قبل الغياب النهائي، والحق قبل باطل الأيام، والجوهر قبل زائف العيش!
* النوم لا يجلب الأمل ولا العمل لأنه يستدعيه إلى الغياب، وأكثر عدماً منه هذه اليقظة للعين دون الفكر، وهذه الحياة الخالية من الشعور الحقيقي بقيمة الإدراك والاستدراك! إن الذي يستيقظ اليوم يحمد منامه غداً، والذي يظل في سبات سينتبه غداً على ندم!
* لا تفرط بقيمة الحياة فإنها جوهرة! ولا بقيمة البصيرة فإنها نافذة لرؤية هذه الجوهرة! ولا بقيمة الإرادة فإنها مطيتك للوصل! ولا بقيمة العمل فإنه وسيلتك لنيل الأمل.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved