لا أعلم الكثير عن الأصول البعيدة لكلمة «العريف» لكن أعلم أنه أحد أشكال النظام التربوي البائد والمتخلف معاً، وقد أخذته مصر عن النظام العثماني القديم، والذي ينتقي أحد الطلبة الأشداء والقساة ليقوم بعملية ضبط الفصل في حال غياب المعلم أو انشغاله، وهو عملية اختراق من السلطة العلوية، بحيث تتمكن من السيطرة على المجموع عبر وسيط يكون موالياً لها من خلال حصوله على امتيازات دون الآخرين.
ولأن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لم يقم بدور العريف كما يجب، فهو لم يشأ ان يغامر بتاريخه النضالي الطويل ويذبحه على لوائح المطلوب في «مركز المخابرات الأمريكية»، وعلى الرغم من أن الكثير من الأطراف العربية كانت تشكك في ولائه وانتمائه واخلاصه النضالي، إلا انه كان طوال الوقت يلعب بورقة المناورات السياسية والدبلوماسية التي كان يتخيل أنها ستوصله إلى حل عادل لشعبه، ولكن تلك المناورات السياسية وصلت إلى باب مغلق في وقت ما ولم تستطع تجاوزه، لأن المفاوضات وصلت إلى مرحلة مفارقة مصيرية للشعب الفلسطيني بين أكون أو لا أكون، وعند هذه النقاط الحمراء توقف ياسر عرفات، وعندها بدأت الأطراف الراعية للصراع تشكك في ولائه واخلاصه للقضية وعملية السلام، بل طالت التشكيكات جميع أفراد سلطته واتهمتهم بالفساد الإداري والسياسي، كما جاء في تصريحات مستشارة الأمن القومي الأمريكية «كونداليزا رايس» في مقابلة تلفزيونية أخيرة.
وبدت الأضواء تسلط بشكل أو آخر على بعض الشخصيات الأخرى في السلطة التي من الممكن ان تقوم بدور العريف ولا سيما ان اجواءهم رطبة وعليلة مع إسرائيل، وبالإمكان ان يحكموا القبضة على شعبهم بجميع قساوة وغلظة سجاني دول العالم الثالث، وهذا بالضبط ما تبحث عنه الدولة الراعية للسلام، وهذا ما يخدم اتجاهاتها في المنطقة، ويرضي مراكز القرار سواء في البيت الأبيض أم في الكونجرس، وشعارات الديمقراطية ومحاربة الفساد التي ترفعها الدولة الراعية للسلام هي عبارات تسويقية فقط.
«لزوم المرحلة» فهو من ناحية أخرى نفس السيناريو الذي ترفعه في تعاملها مع المعارضة العراقية، وفي اختيارها السلطة المؤقتة في أفغانستان.
المفاوضات ليست بحاجة إلى مناورات، وطبقة انتلجنسيا، وتاريخ، وخبراء استراتيجيين، طاولة المفاوضات تبحث عن عريف جديد للسلطة، صغير العقل كبير العصا، متسع الزنزانة، متسع الاذنين لتلقي الأوامر، ضيق الفم، ضئيل اللسان، ولو كان بدون لسان أفضل.. شحيح الخبرة بالتاريخ لكنه واسع العلم بحساباته في البنوك، هذا هو الرجل الذي تحتاجه المرحلة، وهو وحده الذي سيوصل مركب المفاوضات إلى بر الأمان.
|