Thursday 30th May,200210836العددالخميس 18 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

إلى بيروت إلى بيروت
شعر: خالد الخنين



تفاحةُ العشاق خَدُّكِ واليَدُ
وقصيدةُ الشعراء أمسُكِ والغَدُ
وحصانُكِ المسروجُ من حَبَقٍ ومن
وردٍ بذاكرة المواسم يشْرُدُ
قمرانِ في شفتيك وجهُ صبيةٍ
وقصيدةٌ في بالِ أرزكِ تولد
فبأي ميناءٍ سأُرْسي مركبي
والموج يُرغي في الضفاف ويُزْبِدُ؟
ولأي دوحٍ سوف يأوي طائري
والحب في أضلاعه يتنَهَّدُ؟
بيروت جئتكِ حاملاً في دفتري
ذكري برجع حروفها أتوجَّدُ
أتناهَبُ الرؤيا يسافر مشهدٌ
في آخر الدنيا ويرجع مشهد
وأنا على شفتيكِ َلحْنٌ تائهٌ
وعلى جفونك كُحْلُها والِمرْوَدُ
بيروتُ يا شطَّ الخلود يحوطُه
من كبريائكِ لؤلؤٌ وزبرجد
يا مهجةَ العشاق رَفَّ حنينُهم
شوقاً فتاهوا في النَّدِيِّ وعربدوا
أنا قادمٌ وَرْدُ «الرياض» جوانحي
وعلى ذرا جَبَلِ الخلود أغرِّدُ
لبستْ حكاياتِ المساءِ قصيدتي
والأيكُ خَلْفَ المنحنى يتأوَّدُ
اصطاد نهراً تائهاً وغمامةً
بيضاءَ تقربُ كالرجاء وتَبْعُدُ
لي من «عشيَّات الحمى»(1) مُتَفَيَّأٌ
وشذى صَبَا نجدٍ بها لا يُجْحَدُ
عَطَّرْنَ أيامي وهَنَّ رواجعٌ (2)
فحنوتُ من آلائِها أتزَوَّدُ
ولكلِّ (ليلى) في كتابي وردةٌ
ولكلِّ «بلقيسٍ» بكفي هُدْهُدُ
بيروتُ من كانت رسالتُه الهوى
فبكلِّ ساحٍ سيفُه لا يُغْمَدُ
بيروتُ يا سَفَرَ العصور إلى مدىً
لا ينتهي وحكايةً تتجدَّدُ
أهلي هنا.. وطني هنا.. وترابُهم
والنارُ تومئُ للقِرى(3) والموقِدُ
وصدى صهيلِ خيولهم فوق الذُّرا
فتحٌ توهَّجَ من سناه مُهَنَّدُ
بيروتُ ذاكرةُ العروبةِ كلَّما
حنَّتْ إلى السُّقيا فأنتِ المورد
قاتَلْتِ بالحرف النبيل وقاتلتْ
لغةٌ مقدسةٌ وشعبٌ أصْيَدُ
سافرتِ في الدنيا وعُدْتِ بنجمةٍ
رُحْنا على لألائها نتوحد
بيروتُ ما همستْ بليلٍ أرْزَةٌ
إلا وغازلَها بنجدٍ موعد
بيروتُ ما أنَّتْ بحقلٍ وردةٌ
إلا وأبناءُ العروبةِ عُوَّدُ
بيروتُ جئتكِ من صَبا نجدٍ ومن
أطلال خولةِ(4) والأحبَّةُ حُشَّدُ
أُرسي على شَطِّ الخلود سفينتي
والتيهُ يبرق في خُطاي ويُرْعِدُ
في ظِلِّ قامتكِ التي لا تنحني
إلا لجبار السماء وتسجد
كنزٌ إلهيٌّ فليلُكِ فضةٌ
من عطر رحمته وشمسك عسجد
والشرق تأسرُه حكاياتُ الهوى
عن وردةٍ في حُضْنِ وادٍ ترقد
حمراءُ كالشفق الذبيح وكلَّما
لَثَمَ النسيمُ خدودَها تتورَّدُ
بيروتُ يا قمر العواصمِ من رأى
قمراً على شفةِ العصور يُزغرد
ما بين أرْزكِ والنخيل أخوَّةٌ
وهوىً بكلِّ قضيّةٍ يتأكد
من كلِّ تيَّاه القوافي إن شدا
غَنَّى (عكاظُ) له وجَنَّ (المِرْبَدُ)(5)
هل لي مكانٌ استعيد به على
وتَري حكاياتِ الغرامِ وأسرد
(عمرٌ)(6) أنا وسْمُ الحجازِ على فمي
وهناك أُتْهِمُ في الرمال وأُنْجِدُ (7)
لولاي ما (هندٌ)(8) ولا جاراتُها
إلا رمالٌ في الفلا تتبدَّدُ
إن قلت موعدُنا (العقيقُ)(9) تنهَّدَتْ
شوقاً ولا عبثٌ هناك ولا ددُ(10)
لا تُخلف الميعاد وهي عليمةٌ
أن البيانَ بِضاعةٌ لا تكسد
وغدا مِجنِّي كاعبين ومُعصراً(11)
وأنهار ما تأبى وما تتوعد
عثرت بألسنةِ الوشاةِ وطالما
تشقى المحبةُ بالوشاة وتَفْسُدُ
والأخطل(12) العربيُّ ينثر دُرَّه
شَركاً ويَنْظِمُ عِقْدَه وينضِّدُ
إنْ قيل: من شيخُ القريضِ؟ فإنَّه
شيخ برغمِ الحاسدينَ وسيِّدُ
في منتداه زها البيانُ بريشةٍ
راحت تُنمنم لوحةً وتجوِّدُ
غَنَّى وأرهفتِ العروبةُ سمْعَها
فإذا الجديدُ هو الأصيلُ الجَيِّدُ
بيروتُ أقمارُ الجنوبِ على يدي
أضواءُ مَنْ ضحَّوا له واستشهدوا
الخالدون ومن عبيرِ جراحهم
وُلِدَ الخلاصُ وطاب ذاك المولدُ
وتناثرت جثثُ الغُزاةِ وفَرَّ مِنْ
زحف الكُماةِ الخائنُ المتهوِّدُ
وتطاولَ الوطنُ المنيعُ ترابُه
وانهار سَدٌّ بالجنون مُشَيَّدُ
واصطاد جُنْدُ الله جيشهمُ وما
أجْدَتْ حصونٌ دونَهم أو مَرْصَدُ
والشعب يقتحم الصعاب إذا مشى
بالحب والإيمان وهو موحَّدُ
بيروت جئتكِ بالمحبة قاصداً
والحرُّ يُرْجىَ للوصال ويُقصدُ
قلبي - ويا بيروتُ - نبعٌ سائغٌ
للشاربينَ ودُرُّه لا يَنْفَدُ

بيروت/2002
(1) عشيات الحمى.. ديوان شعر للشاعر وعنوانه مستلهم من شعر الصمة القشيري.
(2) إشارة إلى قول الصمة الشقيري ومعارضاً له.
وليست عشيات الحمى برواجعٍ
إليك ولكن خَلِّ عينيك تدمعا
(3) القرى: إكرام الضيف.
(4) إشارة لبيت طرفة بن العبد.. لخولة أطلال ببرقة ثهمد.
(5) عكاظ والمربد من أسواق العرب في الجاهلية والإسلام.
(6) عمر: عمر بن أبي ربيعة شاعر الغزل المشهور في العصر الأموي.
(7) أتهم: ذهب إلى تهامة، وأنجد: ذهب إلى نجد.
(8) هند: أشهر النساء اللواتي تغزل بهن الشاعر عمر بن أبي ربيعة.
(9) العقيق: من أودية الحجاز.
(10) الدد: اللهو والمرح.
(11) إشارة إلى قول عمر بن أبي ربيعة:
وكان مجنّي دون من كنت أتقي
ثلاث شخوصٍ كاعبان ومعصر
(12) الأخطل العربي: هو الأخطل الصغير الشاعر الكبير: بشارة الخوري.
* الملحق الثقافي السعودي في دمشق وبيروت.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved