* بيروت - عبد الكريم العفنان:
شهدت العاصمة اللبنانية بيروت صباح أمس افتتاح «ندوة العلاقات السعودية/ اللبنانية» التي تنظمها وتشرف عليها دارة الملك عبدالعزيز بالتعاون مع الجامعة اللبنانية، برعاية دولة رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وبمشاركة عدد من المختصين والباحثين والمحاضرين، من المملكة العربية السعودية ومن لبنان الشقيق، كما تشتمل الندوة على عدد من الكلمات والمحاضرات وجلسات العمل، التي تتناول مسيرة العلاقات السعودية اللبنانية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - حفظه الله-.
«الجزيرة» حضرت حفل الافتتاح الذي تم في القاعة الكبرى في قصر اليونسكو حيث القي عدد من الكلمات لكل من رئيس الوزراء اللبناني وسفير خادم الحرمين الشريفين ومدير الجامعة اللبنانية والأمين العام لدارة الملك عبدالعزيز الدكتور فهد السماري. وفيما يلي نص الكلمات.
السفير المفتي: «الفهد» كرّس جهده وفكره لنصرة القضايا العربية
كلمة رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري ممثلاً بمعالي
الوزير بهيج طبارة
أودُّ في البداية أن أُعبِّر عن الشكر والتقدير لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، أمير منطقة الرياض، ورئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز، على مبادرته لإقامة هذا اللقاء، وسأنوب عن الرئيس رفيق الحريري في إلقاء كلمة الرعاية هذه، نظراً لانشغال دولته بجلسة مجلس النواب هذا الصباح.
لقد كان أمراً طيباً المصير إلى عقد اللقاء الدراسي المتميز من جانب المؤسستين العريقتين دارة الملك عبدالعزيز، والجامعة اللبنانية، والمتصل بالعلاقات اللبنانية السعودية بمناسبة العام العشرين من عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله .
هذه المبادرة تكتسبُ معناها الكبير، ليس للشكر والتقدير على ما قدمته المملكة للبنان، وما أعانت فيه قبل النزاع الداخلي وبعده وإلى اليوم، وحسب بل ولأن العلاقة بين البلدين الشقيقين نموذج لسياسات التضامن العربي التي تمارسها المملكة منذ أيام مؤسسها الكبير مطلع القرن العشرين عبدالعزيز آل سعود رحمه الله رحمة واسعة ثم انها أخيراً وليس آخراً نموذج للطابع الشخصي والحميم الذي ميَّز سياسات المملكة تجاه لبنان، وبخاصة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز.
لقد قلتُ مراراً ان اتفاق الطائف الذي سعت إليه المملكة بكل سبيل، وأُنجز أخيراً على أرضها، أُحيط من جانب الأمة العربية بما لم يُحَطْ به أي اتفاق آخر في تاريخ العرب الحديث، فالجهات العربية التي رعت الاجتماع هي: خادم الحرمين الشريفين، الذي ينظر إليه العرب والمسلمون بالتقديس والتبجيل وملك المغرب الذي يحمل لقب أمير المؤمنين، بما له لدى العرب والمسلمين من ارتباط بخلافتهم ودولتهم الزاهرة والرئيس حافظ الأسد قائد الصمود والتحدي العربي ورئيس جمهورية الجزائر، بلد المليون شهيد، ورمز التحرر من الاستعمار.
لقد كان اتفاق الطائف الذي أنهى النزاع الداخلي، وأعاد الوطن لمواطنيه، ذروة ذلك الخط السياسي الذي تابعه الملك فهد شخصياً منذ اجتماع بيت الدين عام 1977 عندما كان حفظه الله ما يزال ولياً لعهد المملكة، ورئيساً للوزراء.
وقد قال يومها إن الحل العربي للبنان يحفظ وحدة البلاد، ويصون قضية الشعب الفلسطيني، ويمنع التدويل، كما يحول دون استغلال إسرائيل، وقد صدق حدسه، وصدقت بصيرته، فسرعان ما استغلت إسرائيل استمرار النزاع للقيام باجتياحها الأول والثاني الذي وصل إلى بيروت عام 1982.
ظل الملك فهد طوال سنوات الاحتلال، والنضال من أجل التحرير على متابعة واهتمام شبه يومي بقضية لبنان وسيادته وأمته ووحدة أراضيه، ولطالما استغرب واستنكر أن يكون جزء من أرض لبنان ما يزال محتلاً، بينما النزاع الداخلي ما يزال دائراً، وبمعنى آخر كان رأيه أنه في الوقت الذي كانت إسرائيل فيه تقتل وتدمر في الجنوب، كان قسم من اللبنانيين ما يزال منهمكاً في صراعات دموية لا تنتهي، ولذلك فقد كانت رؤيته دائماً ان اتفاقيات وقف اطلاق النار لا تشكل حلاً ولو مؤقتاً، ولا بد من سعي مستمر لحل سياسي دبرت المملكة أجواءه العربية والدولية وصولاً لتحقيقه في الطائف آخر العام 1989 كما هو معروف.
أيها السادة..
أيها الإخوة..
أما الخط الآخر للعلاقات السعودية اللبنانية، والذي رعاه خادم الحرمين شخصياً أيضاً فهو خط الصلات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية، فقد بدأ رجالات من لبنان يقصدون المملكة للعمل منذ أيام الملك عبدالعزيز رحمه الله وعشية النزاع الداخلي عام 1975 كانت السعودية تحتضن عشرات ألوف اللبنانيين، أما في أثناء النزاع، والاجتياحات الإسرائيلية، فإن المملكة وبعض دول الخليج الأخرى، فتحت ذراعيها لعشرات ألوف جديدة من طالبي العمل والأمن هناك، وما اكتفى الملك فهد بذلك، بل قدم مساعدات لسائر اللبنانين في لبنان نفسه، في سنوات ضاقت فيها سبل العيش على الجميع، وفي الوقت الذي كانت فيه المؤسسات السعودية وما تزال تدعم مؤسسات خيرية كثيرة أعانت المواطنين كثيراً في الحرب وبعدها على الصمود والتماسك.
على أن أهم المساعدات فعلاً، وبقرار من الملك فهد حفظه الله جاءت وما تزال، بعد اتفاق الطائف، وبدء عمليات الإعمار والنهوض وبناء الدولة.
إن العاملين في مجلس الإنماء والإعمار عام 1992 ما يزالون يذكرون الحيرة التي انتابتهم أمام هول الخراب، وتردي أوضاع سائر المرافق، فضلاً عن انهيار مؤسسات الدولة، وجاء بصيص الأمل، الذي اتسع تدريجياً حتى صار فجراً ساطعاً من المملكة العربية السعودية ودولة الكويت، ثم توالت الاتفاقيات مع سائر الدول والمؤسسات العربية والدولية.
ساعدتنا المملكة العربية السعودية بالهبات والقروض والودائع عبر الصندوق السعودي، وعبر وزارة المال، وعبر وزارات أخرى، بحيث بلغ المجموع ما يزيد على المليار دولار دونما منة أو تسويف، وعلى ضخامة ما قدمته المملكة للبنان من أجل إعادة إعماره، وإعداده للمستقبل، ما اكتفت بذلك، بل أعانتنا في أحيانٍ كثيرة لدى المؤسسات الاقليمية والدولية.
أيها السادة،
أيها الإخوة والزملاء،
علاقة لبنان بالمملكة العربية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، هي علاقة بين أشقاء، فيها جانب الرعاية، وفيها جانب التضامن، وفيها جانب النظر للحاضر والمستقبل في ظل الخطر الاسرائيلي الدائم، والسياسات الدولية المتغيّرة.
بعد ما أنجزته المملكة للبنان، بمؤازرة وتضحيات الشقيقة سوريا، تتقدم اليوم الصفوف من أجل حل شامل يصون الحق العربي، ويزيل العدوان عن الأرض العربية، فمبادرة سمو الأمير عبد الله، والتي صارت في القمة العربية بيروت مبادرة عربية، هدفها إنهاء الاحتلال الاسرائيلي، وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة، وأنا واثق أنه على الرغم من الجبروت الصهيوني، والخراب الكبير، والدماء الغزيرة، فإن الشعب الفلسطيني ومعه سائر العرب، والشعوب المحبة للحرية والسلام قادر بنضاله وتضامن أشقائه على تحقيق أهدافه الوطنية بإذن الله وتوفيقه.
أشكر لسمو الأمير سلمان بن عبد العزيز ودارة الملك عبد العزيز، والجامعة اللبنانية الفكرة والجهد في إقامة هذا المؤتمر، وأرجو للقائكم النجاح في استكشاف آفاق العلاقات السعودية اللبنانية.
عاشت فلسطين حرة أبية.
حفظ الله الملك فهد.
عاشت المملكة العربية السعودية.
عشتم، وعاش لبنان.
***
كلمة السفير فؤاد صادق المفتي
خلال الاحتفال بالمناسبة
تجيء هذه الذكرى العشرون لتولي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في ظل أجواء عربية عصيبة ومتوترة بسبب ما حدث ويحدث في فلسطين الجريحة.. فلسطين الصامدة.. فلسطين المرابطة.. فلسطين التي كانت ولا تزال مصدر اهتمام وهم يكابده صاحب هذه الذكرى منذ أن بدأ أولى خطواته في العمل السياسي الدولي والعربي وعلى مدى خمسين عاماً من المسؤولية التي تدرج في أعتابها وتشرب من أسرارها حتى اكتسب هذه الخبرة المميزة والحكمة المستنيرة وبعد النظر الثاقب الذي ميَّز فترة حكمه الزاهرة على مدى العشرين سنة التي تبوأ خلالها سدة الحكم والتي تميزت بنهضة كبرى على الصعيد الداخلي الوطني مثلت نقلة نوعية للوطن والمواطن انعكست على مستوى معيشته ليس على المستوى المادي فحسب بل على المستويات العلمية والفكرية والثقافية والفنية والاجتماعية والإنسانية.
ولست هنا بصدد تعداد تلك الإنجازات الكثيرة التي تحققت في ظل هذا العهد الزاهر لصاحب الذكرى العطرة.. إلا أن هناك جانباً آخر مضيئاً من حياة الفهد كرّس له جهده وفكره ومعاناته أعني به احتضانه للقضايا العربية والقضية الفلسطينية وعلى رأسها قضية القدس الشريف..
لقد سعى حفظه الله بالتعاون مع أشقائه القادة العرب إلى بناء البيت العربي وتجنيبه التصدّع والفرقة والانقسام والتركيز على دعم عوامل القوة والمنعة لهذا البيت لمواجهة التحديات الصعبة التي تعرض لها على مدى نصف قرن أو يزيد منذ إنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين وما تلاه من صراعات وحروب دامية ما زلنا للأسف نعيش ذروة وحشيتها وشراستها في هذه الأيام.. بل في هذه اللحظات العصيبة من حياة الأمة العربية.
كلكم يذكر مبادرة «الفهد» للسلام عام 1982م في مؤتمر القمة في «فاس» التي طرح من خلالها مبادرته لإنهاء هذا الصراع الدامي يضمن انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة وقيام دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشريف وكلنا يذكر كيف كان الرد الإسرائيلي على ذلك، وما أشبه الليلة بالبارحة.. فقبل شهر واحد تقدمت المملكة بمشروع سلام عربي آخر عرف باسم مبادرة «الأمير عبدالله بن عبدالعزيز» تبنته القمة العربية ورحبت به الأمم المتحدة والولايات المتحدة وأوروبا بل والمجتمع الدولي بأسره وقسم كبير من الإسرائيليين فانقلب السحر على الساحر وجن جنون شارون وبطانته الحاقدة الرافضة للسلام فقام بهذه المجزرة غير المسبوقة في التاريخ الحديث وربما القديم للحيلولة دون نجاح هذه المبادرة التي يرى فيها وفقاً لتفكيره الإجرامي نسفاً لخططه المكشوفة ولا أقول المشبوهة لتحطيم السلطة الفلسطينية والقضاء على أي أمل بإقامة الدولة الفلسطينية.
وهنا يتعاظم دور الفهد في مواصلة المسيرة الخيّرة لمناصرة الإخوة في فلسطين والسعي الدؤوب بوقف هذا الهجوم عليهم وتخفيف معاناتهم والتعاون مع الأشقاء العرب للضغط على الأمم المتحدة والقوى المؤثرة الأخرى كالولايات المتحدة وأوروبا والاتحاد الروسي وغيرهم من الدول ذات التأثير لإعادة عملية السلام إلى مسارها ووقف هذا العدوان الإسرائيلي السافر على اخوتنا في فلسطين الصامدة المرابطة..
أيها الحفل الكريم.. معذرة.. ان جنحت في كلمتي هذه إلى أبعد من المناسبة التي نحتفل لأنني على يقين أن صاحب هذه الذكرى «الفهد الإنسان» لن ترضيه الكلمات المدبجة بالثناء والإشادة بقدر ما يشعر وهو المحتفى به، بهذه المشاعر الجياشة المعبرة عن المشاركة الإنسانية لمعاناة جزء عزيز من هذه الأمة العربية الأصيلة التي ما انحنت أبداً إلا لبارئها.
وما النصر إلا من عند الله.
|