لا أدري لماذا يدأب الإنسان على «إهمال» النِّهايات... وبدل أن ينظر إلى ما تحمله من نتائج تراكم ما قبلها، يعمد إلى تمريرها بشيء من اللامبالاة، ويصبغها بروح الملل، ويتعامل معها في شيء من الكسل والتواكل...، وربما التأفَّف وانتظار عبورها كيفما يكون...
مثل هذا يحدث في التعامل مع نهاية اليوم، نهاية فترة العمل، نهاية الإجازات الأسبوعية، وربَّما نهاية مراحل «العمر»...
ولقد صبغ الإنسان واستطاع أن يصبغ تعاملَه الدائم مع كلِّ ما يرتبط به، وينتج عنه وِفق هذا المفهوم، وضمن هذا النوع من السلوك، حتى غدت عاداته السلوكية لاتنجو من انعكاس هذا المفهوم عن النهايات على كلِّ ما يمكن أن يستظل تحت مظلَّة النهايات!!
ومن ضمن صور هذا التعامل على سبيل المثال لا الحصر صفحات الصحف في أيام الإجازات فيوم الخميس يقلَّ فيه النشاط «التحريري»، وتتقلَّص فيه المادة الصحفية، وتصبغ بلون محدد، ولا يرغب «كبار» الكُتَّاب في نشر مقالاتهم فيه، ولئن كان الخميس له من الحظ ماهو أقل من بقية أيام الأسبوع فيما تتضمَّنه الصحيفة بما يظهر ليس في مضمونها بل في عدد صفحاتها فإنَّ يوم الجمعة أكثر تعاسة لأنَّه الأدنى حظّاً.. فهو يومٌ «ميِّتٌ» كما يحلو للكثيرين أن يسِموه.
ويبدو أنَّ تجاوز هذا المفهوم ومن ثَمَّ تغيير نمطية التعامل مع النهايات وعلى وجه التحديد نهايات الأسبوع بالنسبة للصحافة كان من الأمور التي قد لايحلم بها ولايفكر فيها القارئ وربَّما ذهب يعزو أسباب ذلك إلى رغبة الإنسان في أن يضيف إلى راحته من الأعباء وتحلُّلِه من نظام العمل، وعدم تنظيم الوقت الذي يكون خلال الاسبوع إلى أن يضيف إلى ذلك تقلص الصحيفة في أوراقها وإجبارها كي تريح، فيستريح...
وكنت دوماً أتطلع إلى عكس ذلك، فخلال أيام الأسبوع يكتظُّ الوقت بكلِّ شيء، فلا أقلَّ من أن يأنس إلى تعبئة ساعات «اليومين» المهدرة من عمر المرء في مادة سريعة مقروءة ومفيدة تجدد خلاياه الذهنية، وتحفِّز حيويته الفكرية، وتبثه «وجبات» خفيفة وطريفة ولا تُثقل عليه بجدية مرهقة أو منهجية مثقلة!!. ولم يتحقق ذلك طيلة سنوات لم يعد من شكل ولا سمت للصحافة خلال إجازات النهايات إلاّ ما دأبت عليه...
حتى جاءت طفرة الجزيرة..
ولست من المجاملين، ولا الذين يقولون ما لا يرَون، أو يُطَبِّلوُنَ في غير عرس على الرَّغم من أنني لا أطبِّل حتى في العرس!!.. والدليل على ذلك ما نشر في جزيرة الأسبوعين الماضيين في نهاية النهايات الأسبوعية.. في صفحات حيوية، نشطة، متنوعة، محركة للماء الآسن في الصحافة، المدرّة لأمصال علاج مرض عدم الالتفات للمواهب الكامنة في شرايين الأفراد من غير كتّاب أو صحفيّي الجرائد.. إذ جاءت صفحات الرأي دسمة، جميلة، تبعث على التفاؤل في ميلاد جيل جديد من الكُتّاب، إذ تبنَّت أقلاماً جديدة وأفسحت لآراء عديدة، وساهمت في تحريك الراكد، وكذلك فعلت صفحة شواطئ بمادتها الخفيفة المنوعة النشطة، الحيوية التي تنطق شباباً وحَيَويَّة تُبَثُّ في العروق الآسنة، والأذهان الخاملة...، ولقد تفوَّقت الجزيرة في تنوع مادتها، وتخصيص ندوتها الثقافية الأسبوعية، وتنشيط العلاقة بين الجريدة وقرّائها، وبينها وبين الأسماء التي تستحق التَّذكُّر.. والنِّقاش وذلك في عزيزتي الجزيرة في ثوبها الجديد.
لا أنكر أنَّ هذه الخطوة قد أخذت في تبديل مفهوم «النهايات» وتحريك الرغبة في أنَّها إنَّما هي «الزُّبدة» لكلِّ البدايات، فما لا يكون له نهاية فإنَّ بدايته فيها قولٌ.
تحية ليست نهايةً..، وليست بداية..
إنّما هي مستمرة بما أؤمن به من أنَّ لا نهاية البتَّة في وجود بدايات متواصلة، ونهايات متكاملة واستمرارية بينهما، تمنح الحياة معنى الحياة.
|