مدخل:
إن ما يحدث في فلسطين المحتلة من قبل إسرائيل أمر يصعب في حقيقة الأمر وصف بشاعته، والوصول إلى حقائقه ودقائقه وفق المعطيات المادية والتحليلات العقلانية فقط مجردة من نواميس الله في الكون وأحداثه، إذ من عجائب الأمور أن يضل العرب والمسلمون هكذا ساكتون وهم ينتهكون. كمايزيد العجب عقلاً من موقف «راعية الخذلان» أمريكا مما يحدث!!.. وتساؤلات ذهنية تطرحها الأحداث، هل يا ترى يُسيِّر دفة الأمور متطرفو التوراة والإنجيل؟. وهل فعلاً تعكس الأحداث بعداً دينياً «للمتطرفين» في تحقيق أمن إسرائيل من جهة، وفي نزول الرب المسيح من جهة أخرى؟. أم هل يا ترى يسيطر على دفة الإدارة الأمريكية أصابع يهودية ظاهرة و/أوخفية؟. هل سكوتهم بناء على اتفاق مصالحهم في قتل وتشريد المتطرفين في نظرهم ؟ هل مصلحة أمن إسرائيل أكبر من كل مصالح أمريكا في المنطقة؟ لم كل هذا التهوين من قبل أمريكا والهوان للعرب.. الأمر حقيقة مستغرب!! والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه هل يا ترى تسير الأحداث كما يريدها البشر؟ أم أنها تسير وفق سنن تحتاج إلى تأمل ونظر؟.. هذا ما نظن الحاجة ماسة إلى الوقوف إليه وعليه.
محتوى:
ربما لا تجد من العقلاء من يختلف بأن لليهود أدواراً بارزة عبر التاريخ في الفساد والإفساد.. وفي الواقع اليوم ما يؤكد ذلك ويجليه. والسعي في الفساد كما أنها حقيقة تاريخية هي في الواقع سنة إلهية أرادها الله أن تكون سمة لهؤلاء القوم {وّيّسًعّوًنّ فٌي الأّرًضٌ فّسّادْا وّاللَّهٍ لا يٍحٌبٍَ پًمٍفًسٌدٌينّ } وقد نعت الله سبحانه اليهود في أماكن مختلفة من القرآن بنعوت يطول العجب منها كما العجب ممّن لا يفهمها ، ومنها:
أولاً: أن قلوبهم تصل في قساوتها إلى نسبة أشد من الحجارة {ثٍمَّ قّسّتً قٍلٍوبٍكٍم مٌَنً بّعًدٌ ذّلٌكّ فّهٌيّ كّالًحٌجّارّةٌ أّوً أّشّدٍَ قّسًوّةْ..}. وبالتالي فقبولهم للحق أمر في غاية الصعوبة.
ثانياً: تحايلهم وكثرة جدالهم، وإذا كان اليهود قد تحايلوا على أحكام الله في صور عديدة كصيد الحيتان يوم السبت والبقرة وغيرها فليس من المستغرب أن يتحايلوا على «قصة السلام». والملمح المهم هنا أيضاً أنه كلما تحايل الإنسان وتلاعب بالأحكام سلط الله عليه وابتلاه بما يعلم وما لا يعلم {كّذّلٌكّ نّبًلٍوهٍم بٌمّا كّانٍوا يّفًسٍقٍونّ}.
وثالثاً: نقض العهود والمواثيق، فهم أشهر الأمم بهذه الصفة القبيحة {فّبٌمّا نّقًضٌهٌم مٌَيثّاقّهٍمً لّعّنَّاهٍمً} وكذلك {أّوّ كٍلَّمّا عّاهّدٍوا عّهًدْا نَّبّذّهٍ فّرٌيقِ مٌَنًهٍمً}، ونقضهم للعهود مع المصطفى صلى الله عليه وسلم في الأحزاب وفي أحداث مختلفة تعكس هذه الطبيعة فيهم، كما تتأكد الصورة وتتجلى في كل يوم على المسرح العالمي والعربي، فيتفق معك اليوم وينقض غداً، والغريب منا أننا نبادرهم بالسلام ويبادروننا بالحرب لا بالنقض فقط!! وهذا مما يعكس حقيقة الحالين «الهوان» لنا و«الاستهانة» منهم بنا!!.
رابعاً: العنصرية واحتقار الآخرين، فهم كما يرون «شعب الله المختار» وبالتالي فتعاملهم مع غيرهم ليس على سبيل القناعة بأهمية بناء العلاقات مع الآخرين ذلك بأن غيرهم من الناس «أصلاً» مسخرون لخدمتهم بل ولا يرون بأساً في إيذاء غيرهم وخداعهم، وإذا احتاج الأمر إلى قتلهم كما هو حال الشعب الفلسطيني اليوم {ذّلٌكّ بٌأّنَّهٍمً قّالٍوا لّيًسّ عّلّيًنّا فٌي الأٍمٌَيٌَينّ سّبٌيلِ}.
خامساً: حرصهم الشديد على الحياة على أي شكل كانت، المهم أن يحيوا. {وّلّتّجٌدّنَّهٍمً أّحًرّصّ پنَّاسٌ عّلّى" حّيّاةُ}. وإطلاق لفظ الحياة هنا يعني حب الحياة مهما كانت دنيئة. ودائماً ما يرتبط حب الحياة بالجبن والخوف، ولذلك كانت هذه الصفة إحدى سماتهم إذ يقول تعالى: {لا يٍقّاتٌلٍونّكٍمً جّمٌيعْا إلاَّ فٌي قٍرْى مٍَحّصَّنّةُ أّوً مٌن وّرّاءٌ جٍدٍرُ}. وشتان بين الحجارة والدبابة.
سادساً: كراهيتهم الشديدة للمسلمين إذ يقول تعالى: {لّتّجٌدّنَّ أّشّدَّ پنَّاسٌ عّدّاوّةْ لٌَلَّذٌينّ آمّنٍوا پًيّهٍودّ وّالَّذٌينّ أّشًرّكٍوا..}. وهذه الكراهية لا يكتفي اليهود بها قلبياً كما هي حالتنا بل يعملون على إفساد المسلمين من خلال مؤتمرات ومؤامرات يصعب حصرها.. فمن تآمرهم على المصطفى صلى الله عليه وسلم وعلى الخلافة الراشدة وفي الحروب التي قامت في تاريخ الإسلام، وفي إسقاط الخلافة الإسلامية وفي قيادة النشاط الربوي عالمياً وفي نوادي الفساد والإباحية العلمية والإعلامية، وتلبيس الحقائق والأفكار التاريخية والعلمية وما لا حصر له وكل ذلك لتجسيد هم الفساد والإفساد كما أوضح لنا القرآن عنهم {وّيّسًعّوًنّ فٌي الأّّرًضٌ فّسّادْا}.
وهذا الفساد لا يعني فقط إفساد الآخرين بل يعكس وينعكس عليهم أنفسهم حيث اختلافهم على أنبيائهم وتحكيم الهوى، وتحريف النصوص، وقتلهم الأنبياء، وإعلانهم شأن المال، والقعود عن الجهاد كما قص الله عنهم{فّاذًهّبً أّنتّ وّرّبٍَكّ فّقّاتٌلا إنَّا هّاهٍنّا قّاعٌدٍونّ} ..الخ.
سابعاً: لم يقف تطاولهم على الناس فقط بل امتد ذلك إلى الخالق سبحانه حيث وصفوا الله سبحانه بالبخل، وأن يد الله مغلولة، وأن الله فقير وهم أغنياء كما زعموا بأن عزيراً ابن الله، ولا نظن يداً امتدت لتتطاول على الخالق سبحانه أن لديها من الاستعداد لتقف وتحاور البشر على طاولة السلام. فمن يأمن من يسب الله ويخونه.
إن شعباً هذه «بعض» صفاته وأفعاله تستغرب كما قدّمنا استعلاءه اليوم واستثناءه من قرارات الأمم غير المتحدة ونقض القرارات بسببه وتركه هكذا.. وعلى الهواء مباشرة يعيث في الأرض فساداً {وّاللَّهٍ لا يٍحٌبٍَ پًمٍفًسٌدٌينّ} . ما الذي يحدث إذاً وكيف ولماذا؟ هذا ما نريد أن نتفهمه من خلال هذا المقال.
دعوني أقول كما أفهم بأن نصر الله لنا «والحالة هذه» التي نعيشها هو مخالف لنواميسه وسننه التي أودعها في الكون، كما أن استعلاء اليهود اليوم مخالف لما نفهمه من آيات الله «لنا» بأنه أذلهم {أّيًنّمّا ثٍقٌفٍوا}؟ والمكمن المهم هنا في هاتين المخالفتين أنهما في الحقيقة ناتجتان عن مخالفتين هما أولاً: أن المخالفة الأولى ناتجة عن مخالفتنا «لسنة علونا في الأرض» ذلك أن الله ربط علونا وتمكين ديننا وتبديل خوفنا أمناً ليس هكذا إطلاقاً، بل شرط تحقيق وعده كما هي آية 55 من سور النور أولاً كونه «للمؤمنين العاملين الصالحات» {وّعّدّ پلَّهٍ پَّذٌينّ آمّنٍوا مٌنكٍمً وّعّمٌلٍوا پصَّالٌحّاتٌ} وثانياً: بتحقيق معنى العبودية في النفس والمجتمع {يّعًبٍدٍونّنٌي لا يٍشًرٌكٍونّ بٌي شّيًئْا} وانظر إلى حالنا كأفراد وحالنا كمجتمعات أين تحكيم شرع الله فينا وبيننا؟.
وبالتالي وهو ما نقصد إيضاحه فلو نَصَرنا الله ونحن نعيش «كما هو الحال» ضعفاً في الحالتين، لخالف الخالق سبحانه سنته التي لن تجد لها تبديلاً. وتبديلها واقعياً يحتاج إلى تبديل منا في الأنفس وفي الواقع. وعليه فنحتاج كمسلمين إلى تحريك المعاني المرتبطة بتحقيق وعده حتى تتبدل الحال لتتبدل السنة كما نريد.. هذا بالإضافة إلى أن استنزال النصر من غير إعداد له مخالف لسنة تحقيقه التي أمرنا الله بها {وّأّعٌدٍَوا}.
أما الثانية فاستعلاء اليهود نعده نحن مخالفاً لما كتب الله عليهم من الذلة والمسكنة {أّيًنّمّا ثٍقٌفٍوا}، لكن هذه السنة كما يجب أن نفهم مربوطة أولاً بما ذكرنا من أسباب التخذيل والخذلان الذي نعيشه، وثانياً أن سنة الذلة والهوان لليهود مشروطة بألا نمد نحن المسلمين أيدينا لهم ولأشكالهم، وبالتالي فكأننا نحن الذين نرفعهم بأيدينا فبدل أن نمد أيدينا لمن أهانهم مددنا أيدينا لهم فأعلاهم لاحباً لهم كما يزعمون {نّحًنٍ أّبًنّاءٍ پلَّهٌ وّأّحٌبَّاؤٍهٍ} ولكن عقوبة لنا لأننا خالفنا مراده وأوامره، وهنا فالله سبحانه ربط قدره الكوني «القدري» بفعل العبد «الواقعي»، إذ الصغار والإهانة لليهود ربطها الله بعدم استجدائنا إياهم ومد أيدينا بطرق مختلفة لهم، والحاصل كقاعدة «أنه بقدر مدّ اليد لهم بقدر الذلة والهوان الذي نعيشه».
وهذا الظهور «المتعالي» لليهود لا ينفك عما يحياه المسلم «باطناً وظاهراً» في عملية فهمه وسلوكه الشرعي تجاه أعدائه سواء أكان رجلاً سياسياً أو اقتصادياً أو إعلامياً أو أكاديمياً أو حتى رجلاً عادياً. أقصد هنا، ماذا عن معاني الولاء والبراء على مستويات مختلفة، بل ماذا عن تحقيق هذا المعنى على المستوى الشعبي بمقاطعة ما نستطيع مقاطعته ليس فقط بضائعهم بل أفكارهم وأفلامهم! إلى غير ذلك مما يبثه الإعلام ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً، مما يذيب فينا معنى الولاء لأمتنا ورسالتنا.
ومما يجدر قراءته لما يحدث أيضاً هو أن هذا الاستعلاء اليهودي هو في الحقيقة شكل من أشكال العقوبة لنا/منا من ناحية كما أنه مرحلة من مراحل نهايتهم من ناحية أخرى، فالله سبحانه أشار في الكتاب العزيز أن اليهود «أداة فساد» {وّيّسًعّوًنّ فٌي الأّّرًضٌ فّسّادْا} {لّتٍفًسٌدٍنَّ فٌي الأّرًضٌ مّرَّتّيًنٌ } ولكنه سبحانه قدّر، وهذا ما نحتاج إلى فهمه أنهم إذاً علوا في الأرض فساداً فإنه من رحمته أن يهيىء أناساً يجتثون هذا الاستعلاء الفاجر، وهذا المعنى أراده الله سبحانه وتعالى لهم في الأولين والآخرين إذ قال {وّإنً عٍدتٍَمً عٍدًنّا} أي وإن عدتم للفساد والإفساد عدنا لإزالته. فهذا الفساد عاد!.. لكن أين المؤهلون لاجتثاثه؟!.
مخرج:
دائماً ما نبتعد لسبب أو لآخر في طروحاتنا وتقريراتنا وتحليلاتنا عن فهم سنن الله وتقديراته في الكون، وذلك في ظني أمر يحتاج منا إلى مراجعة.
إن سنن التقدير الإلهية لا تخضع حتماً للمقاييس المادية فأسباب النصر للمسلمين مربوطة بتقدير الله أولاً وبتحقيق شرطه ثانياً، وبالتالي فالله سبحانه ربط بعد الإعداد المستطاع نصره بتحقيق عبوديته كما أراد، وبالتالي يتخلف وعده كلما تخلف هذا المعنى..،والمعنى هنا أن سنن الله في حق عباده تتخلف حينما يتخلفون وتعمل حينما يعملون. وهذا في السياق السنني لا يعني أن «صاحب الوعد» غير قادر على تحقيق وعده وإظهار كرمه، لكن «المدعو» أصلاً لم يطرق الباب كما أُمر، بل تأهَّل لاستضافة غير من وعده ومدّ حبله معه ومن هنا فقد فَعَّلَ سنةَ غيره لا سنته «فمن الملوم؟»!!.
إن من عدل الله في سننه أن يُحيل نتائج الأفعال إلى مسبباتها {نّسٍوا پلَّهّ فّنّسٌيّهٍمً} {فّلّمَّا زّاغٍوا أّزّاغّ پلَّهٍ قٍلٍوبّهٍمً} ولكنه رحمة بعباده يعينهم ويحفظهم ويثيبهم {وّلّوًلا أّن ثّبَّتًنّاكّ لّقّدً كٌدتَّ تّرًكّنٍ إلّيًهٌمً شّيًئْا قّلٌيلاْ}.. {لّوًلا أّن رَّأّى" بٍرًهّانّ رّبٌَهٌ}،.. {إن تّنصٍرٍوا پلَّهّ} ليس فقط ينصركم بل ويثبت أقدامكم.. ومن هنا يتأكد بأن إزالة أسباب الخذلان في هذه المرحلة لا يقل أهمية عن إزالة أسباب العدوان.
وعين الحكمة هنا ألا تشعر بأن التعاطف من خلال المظاهرات والضجيج والصراخ لوقت قصير كاف لقلب المعادلة، بل قف مع نفسك أيضاً، واسأل هل ما بداخلي وما بخارجي حقاً يعكس حقيقة ديني وغيرتي على أمتي، وبعد الوقوف على هذه الحقيقة اعمل أنت وفق معطياتك وامكانياتك معلماً ما استطعت ومربياً ما استطعت ومستخدماً كل ما في وسعك لبعث الهمة في نفسك وأهلك وأصحابك وتقدير حجم المسؤولية المحلية والعالمية وحينما تتيقن بأن الصف قد اعتدل وأن الوجهة جلُّها «للقبلة» لا «للغرب» فثق بأن الوعد متحقق لا محالة، وهنا أيضا يمكن أن يحدث ما لم تحسب أنت له حساباً وذلك تقدير الله الذي ينزِّل نصره على الحالة التي تأهَّلت لذلك، والنصر عنده قريب.. لكن تساؤلنا: هل نصرنا له قريب؟.. لكلٍ منا أن يتأمل!.
لفتة:
«من أعجب الأحوال أن تعين الناس ليعينوك، فيعينوا عليك».
*جامعة الإمام قسم الاجتماع القصيم بريدة |