تتدرج الأغراض الشعرية لنصوص يزيد بن الحكم الثقفي «ـ 105 هـ = 723م» حسب التصنيف التالي «جمع بعض شعره حمودي القيسي في كتابه «شعراء أمويون»، لكنه جَمْعٌ ألفيناه غير وافٍ: «بالمادة ولا شافٍ بالتحقيق، فحاولنا إنجاز لذلك إلحاقاً بهذا المشروع القرائي.
«الأغراض الشعرية وعدد أبياتها»:
عتاب: 35 بيتا
حكمة: 30 بيتاً
فخر: 14 بيتا
مديح: 10 أبيات
غزل: 9 أبيات
هجاء: 8 أبيات
حماسة: 7 أبيات.
شيب وشباب: 7 أبيات
وصف: 5 أبيات
رثاء: 4 أبيات
مرأة: 1 بيت واحد
إذا صح اتخاذ ما بين أيدينا من شعر يزيد بن الحكم عينة معيارية لكافَّة شعره، فإنه ليكشف عن غرضين أكبر من غيرهما، هما: العتاب، والحكمة، وهذا يؤكد على نحو إحصائي ما يتبدَّى على شعر ابن الحكم على نحو ظاهر من ميل مع التيار الذهني الحكمي. ما يجعله نموذجاً مثالياً لمحاكمة مسألة البحث في الجدلية الفنية في الشعر: بين التيار الفكري والتيار النفسي. إذ يبدو من شعر الرجل أنه كان على خلاف أسري، فوق خلافه مع أمراء الدولة الأموية وولاتها، فهو على شحناء مع أخيه« عبد ربه»، وأخيه «يعلى»، وابن عمه «عبدالرحمن»، الذي تناوله في نصّ وهجاه في آخره. وهو عتاب يصل في حدّته حدّ الهجاء. وما يعنينا من هذا أنه يتبدى من خلال أخبار ابن الحكم وشعره أنه كان يعاني من مشكلة تواؤم اجتماعي مع محيطه، تؤدي به إلى موقف نفسي، لقد كان يتشكى أن أخاه عبد ربه يضمر له الشحناء والعداوة والكفران، شأنه مع سائر الإخوان، وكان أخوه «يعلى» يعيّره بالقِصَر والقماءة. أما «ابن عمه» فذئب سوء يتحيّن قتله، ولولا الحلم والحكمة واحترام كبراء العائلة، لجدع أنفه دفاعاً وانتقاماً، وهكذا يبدو العامل النفسي كامناً وراء نزعة الحكمة وطابع التفكّر اللذين يسودان لغة الشاعر. أتلك هي حالة كل شاعر يجنح إلى الحكمة في شعره كما تمثّل ذلك أيضاً لدى شاعر آخر معاصر لابن الحكم، هو المقنع الكندي؟ وهل ظاهرة الحكمة في العصر الأموي سوى وجه العملة الآخر لظاهرة الجنون، التي برزت إبان تحولات المجتمع العربي الجذرية في طرائق الحكم وشروط الثقافة؟
وهذه النزعة العقلانية ذاتها يمكن أن تتماهى بدورها بعامل نفسي رديف، مؤثر في عزلة الشاعر ونفيه الثقافي، إنه والحالة هذه يعاني اغترابه، وشعور اللاانتماء على المستوى النفسي والذهني كأي مصلح في قومه أو متفلسف أو حكيم، فماذا يتبقّى للشعر من الشعر؟ على الرغم من اتجاه ابن الحكم الحكميّ فقد خاض في شتى الأغراض الشعرية، بما فيها «الفخر، والمديح، والغزل، والهجاء». ولئن صح اتخاذ ما تبقى من شعره دليلاً على سائر شعره، وجاز اعتداد أبيات «الحكمة، والشيب والشباب، والرثاء» بمثابة مؤشرات على بروز التيار الفكريّ فيه، فإن شعر الأغراض الأخرى من «فخر، ومديح، وغزل، وهجاء، وحماسة» لتظل أكبر نسبة من مجموع أبياته «48 بيتاً بيتا». هذا بالإضافة إلى ما في الأبيات التي صُنِّفت تحت موضوع «العتاب» الذي يمثل أكبر 41. الأغراض عنده من تداخل بين لغتي العقل والعاطفة عقْلنها الشاعر أو لم يفعل وما يستنتج من هذا كله هو أن شعرية اللغة الشعرية لا ينقذها بحال سوى ارتفاع سعرات التيار الانفعالي النفسي فيها، وإلا سقطت من أفق الشعر الدافئ إلى قاع النثر. البارد.
الدكتور/ عبدالله الفيفي |