لم تكن فتاة عادية لترضى بأول قادم أو بشاب كل مجده مفاخر أسرته.. وكان والدها لا ينفك يؤنبها ويحرجها بالتهديد والضرب قائلاً: كل رجل تقدم لك هو سيد أهله.. فترد بهدوء وكبرياء كلهم يا أبي لم يستطيعوا أن يجيبوا على سؤالي وأنت تعلم أنني لن أتزوج إلا ذلك الذي يستطيع أن يجيبني على سؤالي الوحيد وهو:
- أين عقل الرجل؟
وكان سؤالاً يثير حنق الرجال فينبري أحد خطابها أن عقل الرجل في رأسه وآخر يجيب إن عقل الرجل في حكمته وفروسيته وآخر يقول إن عقل الرجل في جيبه.. أحدهم قال في مكره ودهائه.. وكانت ترد بثقة.. لا ليس هذا.
وطال انتظار والدها وتجاوز عمرها الحد المعقول فانبرى لها والدها وأجبرها على الزواج من خيرة الرجال، بل أجملهم وجهاً وأكبرهم مكانة وخضعت وسيقت مجبرة إلى عش الزوج الذي عجز بدوره عن الإجابة عن سؤالها.. وفي مخدعها.. بعد شهر من عرسها انبرت له وهي تشيح بوجهها قائلة:
- يا رجل ألا كرامة لك.. إني والله قد أصبحت زوجتك وها أنا حامل بولدك لكنني لن أرغبك زوجاً ولن ترى الود والصفاء معي طالما أنك عاجز عن إجابة سؤالي.
- فقال ساخراً..
** أين عقل الرجل..؟
قالت نعم.. أين يكمن عقل الرجل قال لا جواب عندي إلا ما قاله غيري لكنني كاره الحياة معك وتارة لعجزي.. وسأرتحل للبحث عن جواب عقد العزم على السفر.. وضرب الأرض يتزوّد من العلم والتجارب في الحياة ينام بأرض ويرتحل بأخرى حتى أرشده أحد الحكماء إلى حكيم عظيم في أقصى الأرض.. توجه إليه وعندما استقر به المقام أمام بيت الحكيم كان قد مرّ على رحلته سبع سنوات وقد بدا مغبراً كالحاً وعند باب الخباء برزت له فتاة سألها عن والدها.
** فقالت: إنه يسقي الماء بالماء قال فأين أخوك قالت: يصيد الهواء بالهواء قال: فأمك قالت تحارب ربها!!! عجب الرجل لقول الفتاة وانتظر حتى أقبل عليه مع المغيب الحكيم.. الذي قصَّ عليه حكايته مع زوجته.. وطلب منه تفسيراً لمنطق الفتاة فقال الحكيم.. أما قولها يسقي الماء بالماء فأنا زارع بطيخ أسقي الماء بالماء.. وأما قولها يصيد الهواء بالهواء.. فابني يركب فرساً كالريح ويطارد من الحيوانات الغزال شبيه الريح وأمّا قولها: تحارب ربها.. فزوجتي لها اثنين من الأبناء ماتا في عام واحد ولم ترضخ زوجتي لقضاء الله وقدره فهي لا تنفك تنوح على قبريهما مع كل شروق شمس.
أما سؤال زوجتك: أين عقل الرجل؟
فجوابه هو أن عقل الرجل في -الصبر - فالرجل الصبور وقور.. حكيم غيور.. مقدام جهور.. ودّع الرجل الحكيم وعاد ادراجه إلى دياره واستغرقت عودته سبع سنين أخرى.. وعند باب الدار قذف بزوادة السفر وانطلق صوب خباء زوجته وصعق لما رأته عيناه.. فقد كانت زوجته تجاور رجلاً شاباً في فراشها وترقد بجواره في سكينة واسترخاء..
جأر وأزبد وأرعد..
** أيتها الخائنة أنت طالق...
جلست بهدوئها الوقور ونظرت إليه قائلة: الحمد لله على سلامتك.. هل وجدت اجابة على سؤالي.. صفعها وهو يبتعد قائلاً: إن عقل الرجل في (الصبر) قالت نعم إن عقل الرجل يكمن في صبره.. ولو صبرت قليلاً قبل أن تقذف في وجهي يمين الطلاق والفراق لأدركت أن هذا الشاب هو ابنك الذي ارتحلت وأنا حامل به.. وها هو قد تجاوز أربعة عشر عاماً.. هزت رأسها بعجب وقالت: سيموت رجالنا قبل أن يتعلموا سرّ الحياة.
|