كان لافتاً للنظر الحفل الكبير والحضور الدولي الذي اقيم بمناسبة اعلان قيام دولة تيمور الشرقية، زعماء من دول العالم يتقدمهم أمين عام الأمم المتحدة، ومنظمات دولية مختلفة المنازع والأوجه والمشارب، جاءوا جميعاً للتهنئة والمباركة وللتأكيد على انتصار إرادة الحرية وانتصار الديمقراطية وانتصار حق الشعوب في تقرير مصيرها، وكان ملفتاً للنظر أيضاً بين هؤلاء المهنئين رئيسة اندونيسيا!
اثنان وتسعون دولة حضرت يوم الاستقلال ولم تلبث هذه الدولة المدللة التي ولدت وفي فمها ملعقة من ذهب ان انضمت بيسر الى الأمم المتحدة!
دولة ليس لها تاريخ قط ولدت في ظروف غامضة ومشبوهة وذات ملابسات، وأهم مافي الأمر انها «مشبوهه»!
تاريخياً وجغرافياً وإقليمياً وحتى ثقافياً تعتبر «تيمور الشرقية» إحدى الجزر الاندونيسية، وجزءاً لايتجزأ من الأمة الاندونيسية، ولهذا لم يكن عجباً ان يدخلها الجيش الاندونيسي سنة 1974م بعد جلاء الاستعمار البرتغالي عنها الذي دام اربعة قرون!
ولم يكن عجباً ان يحول الاستعمار البرتغالي الكاثوليكي سكان هذه الجزيرة المسلمة الأصل الذين لايزيدون على 700 ألف نسمة الى نصارى كاثوليك بنسبة 90%.
ولم يكن عجباً ان تظهر بعد ربع قرن من عودة تيمور للوطن الام حركة تمرد عنيفة تدعو الى الاستقلال والانفصال عن اندونيسيا، وان تنبعث من هذه الحركة التي سميت بحركة الحرية والاستقلال روائح الكاثوليكية المتعصبة التي لاتقبل ان يشاركها التنفس بهواء الله مسلم واحد.
لهذا لم يكن عجباً ان يكون من تبقى من المسلمين في تيمور الشرقية ضحايا وقرابين يسفك دمهم على مذبح الحرية والاستقلال، ولن ننسى المذابح البشعة والجرائم الشنيعة من قتل وتمثيل وتقطيع لجثث من أصر على البقاء مسلماً في تيمور الشرقية ولم يتنصر او يغادر الى اندونيسيا!!
ولم يتحرك ضمير او يرتفع صوت يدين تلك الجرائم في حق الانسانية بين دول العالم لسبب بسيط، هو ان الضحايا مسلمون! بل أدان العالم الغربي كله اندونيسيا الدولة الكبيرة التي تريد ان تخنق صيحات الحرية في حلق اقلية ضعيفة تطالب بالحرية والاستقلال!
وفي سنة 1999م تم فرض خيار الاستفتاء.. استفتاء شعب تيمور الشرقية بين الاستقلال او البقاء ضمن دولة اندونيسيا، وتم التمهيد لذلك الاستفتاء بطرد حوالي 250 الف تيموري بالجبر والاختيار معاً الى اندونيسيا معظمهم من المسلمين بعد اعمال العنف العنصرية التي قادها زعيم حركة الاستقلال ورئيسها الحالي شانانا غسماو، ومع ذلك فإن الاستفتاء لم يشمل 300 ألف من أصل 800 ألف او 700 ألف هم سكان تيمور الشرقية.
وهكذا نجد ان الذين شملهم الاستفتاء هم اقل من 400 ألف نسمة، فإذا اكتشفنا ان ربع هذا العدد الذي شمله الاستفتاء كان اختياره الانضمام الى الوطن الام اندونيسيا عرفنا سر لعبة الاستقلال المشبوهة!
لا عجب ان يأتي زعماء العالم الغربي يباركون استقلال تيمور الشرقية، ولا عجب ان يأتي كوفي انان باسم الامم المتحدة بكل صفاقة وبلا حياء ليتكلم عن حق الشعوب في تقرير المصير في حين عجز قبل ايام فقط عن اصدار قرار أممي ينصف الشعب الفلسطيني المقهور او ارسال بعثة تقصي الحقائق الى جنين الذبيحة بيد الارهاب الاسرائيلي!!
لقد زرعت اسرائيل إسفيناً في قلب العالم العربي، وقامت دولة اسرائيل بمباركة وتأييد غربي مطلق باسم حق الأقلية في دولة مستقلة لتبتلع بعد ذلك حق الأكثرية، وهل هو من عجائب الصدف ان يعلن قيام دولة تيمور الشرقية «اسماً واتجاهاً» والغربية «قلباً وقالباً» في الاسبوع نفسه الذي تمر بالعالم الاسلامي الذكرى الاليمة لسقوط فلسطين وقيام دولة اسرائيل؟!
وكما زرعت اسرائيل في قلب العالم العربي وقيل وقتها ان ملايين العرب يهددون وجود اسرائيل الضعيفة بإلقائها في البحر ليفزع العالم الغربي كله لنجدتها وتقويتها على جيرانها حتى اشتد ساعدها واصبحت اليوم اقوى قوة ضاربة في الشرق الأوسط تهدد من تشاء دون خوف من عقاب، فإن زرع قوى الاستعمار العالمي لتيمور الشرقية الكاثوليكية في محيط جزر الهند الشرقية المسلمة التي يزيد سكانها عن 200 مليون نسمة يأتي لهدف مشابه لزرع الكيان الصهيوني.
الهدف ان تكون «تيمور الشرقية» غربية المعتقد والهوى والولاء للغرب في ذلك البحر الشرقي المتلاطم بالمسلمين، وحتى لا تتهم اندونيسيا بانها تريد ابتلاع تيمور الشرقية الصغيرة لإلقائها في البحر حرصت رئيسة اندونيسيا على حضور حفل الاستقلال، ولسان حالها يقول «مكرهة أختكم لا بطلة».
ولكن هذا الحضور لن يجعل القوم يكفون ايديهم عنها، فلقد فشلت كل محاولات تنصير اندونيسيا في الخمسين عاما الماضية، ووضعت مؤسسات التنصير الكبرى في الغرب خطةً جديدة لتنصير اندونيسيا خلال الخمسين سنة القادمة، ويعد انجاز دولة تيمور الشرقية الكاثوليكية جزءاً من هذا الخطة، لتكون المنطلق ومحطة التزود بالوقود وشعلة التمرد، وقبل هذا كله قاعدة استعمارية يجري تقويتها لتصل في الشرق الاقصى الى ما وصلت اليه اسرائيل في الشرق الأوسط، لتهدد جارتها الكبرى اندونيسيا، ولا يستبعد ان تتوسع في يوم من الايام على حساب جزرها كما فعلت اسرائيل بجيرانها..
ولكن هل تستطيع بمن وراءها كما استطاعت اسرائيل بمن وراءها؟! هذا ما سيظهر مع الايام، ويجيب عنه الشعب الاندونيسي المسلم الذي قاتل طويلاً من اجل حريته وعقيدته ووحدته.
|