من خلال ما استطعت أن أقرأه لك أرى أنه دائماً ما تنتقد المسرحيات وهذا حقك ولا جدال فيه، ولكن سؤالي هو ما هو المسرح الذي تبتغيه حتى يخرج بالصورة التي تبحث عنها؟
الممثل عبدالعزيز الدوخي في رسالة إلكترونية
- شكراً عبدالعزيز على تواصلك، وانشغالك بقراءة هذه الحروف الضائعة في طوفان الحبر المسكوب على الورق ومثله في فضاءات الشبكة.
وسؤالك المزدوج يفتح الباب على متاهة الحلم المسرحي، حيث يقضي مثلي ومثلك زمناً آخر من التيه والبحث عن حقيقة الفعل المسرحي وجاذبياته، مأخوذين برغبة الكشف عن مكامن الجمال وامكانات الإبداع في هذه الصيغة الفنية المعقدة.
لن أمضي مع سؤالك المشروع إلى حشد تبرير هنا وآخر هناك، وسأكتفي بتشريح واحدة من الصور المألوفة مسرحياً، فيها ما يلمس تلك العلاقة الملتبسة بين النقد والممارسة الإبداعية مسرحياً.. ويرشد إلى أصل الاختلاف بين تقويم المسرحيين لأنفسهم وتقولات المتابعين لتجاربهم من المنهمين أصلاً باختبار عضلاتهم النقدية.
في مهرجان الكويت المسرحي للعام الماضي، وقفت عجوز المسرح الكويتي مريم الصالح لتعقب على تعليقات الناقد المسرحي البحريني يوسف الحمدان الذي نال من عرض صفق له الجمهور مرتين: كانت الأولى أثناء العرض والثانية في الندوة التطبيقية، وهو على ما أذكر عرض «سهرة مع الكلاب»، فقالت كلاماً تذكر فيه بزمن تتلمذها على يد الراحل زكي طليمات وأعطفت القول «بأن هناك كلاماً عجيباً لا نفهمه يطلعون به علينا (أي النقاد) مثل «أيقونة» وغيرها».
على هذا النحو توالت الطعنات في أقوال الحمدان، الضيف الثقيل الظل عند الكويتيين يومها، وصارت فاتحة لمواجهة ستتكرر في مهرجان المسرح الخليجي السابع الذي انعقد في قطر لاحقاً.
فأين المشكلة الآن؟.. في الكثرة التي انتهت إلى استحسان العمل، أم الصوت الشاذ الذي أضاع عليهم فرصة الإجماع؟
ما قالته مريم الصالح أفصح عن جذر المشكلة التي يواجهها المسرح الكويتي، فقد أسسوا لتجربة مسرحية لكنها لم تنمُ مع تحولات المفهوم المسرحي على مستوى التجربة العالمية، بل نمت وفق ايقاع الشارع الكويتي الذي فرض مزاجه الخاص على نمط العروض المقدمة هناك.
انقطع الكويتيون على ما يبدو عن تيار المسرح في العالم وظنوا أن المسرح حالة سكونية.. مطلوب منه أن يظل في قوالبه وحسب.
لقد فات على مريم الصالح أن تدرك بأن النقد اشتغال فكري، جمالي ومعرفي يفيد من تقاطع المسرح مع الفلسفة والمعارف الانسانية الأخرى.. غاب عنها ما للنقد من مناهج وآليات ومفردات تبعد أو تقرب من حدود تعاطيها المسرحي، إذ يحتفل النقد بتشابكه المعرفي مع كشوفات الوعي الانساني في هذا الوجود..
أيها السيد..
من خارج المناهج النقدية، يحدث الافتراق غالباً حول تقويم العروض بسبب التباين في الذوق الشخصي والخبرة الجمالية والخلفية الثقافية والحصيلة المعرفية.
وعروضنا المحلية أيها العزيز لم تصل إلى مستوى الاختلاف حولها وفق منهجيات النقد الحديث، فهي مازالت تراوح في الأغلب الأعم ضمن الحدود الدنيا من المعطيات الأربعة السابقة، إذ لم نزل نتحدث عن أساسيات العرض المسرحي وليس عن احتمالات جمالية مبتكرة في هذه العروض.. وهذا يعني أن الجهد النقدي يرتد دائماً إلى نقطة الصفر، يجتر مقولاته المكرورة مرة بعد أخرى.
وإن كان ثمة عرض أتطلع إليه فلن يكون سوى ذلك العرض الذي لم يأت بعد، عرض لا يستقر على صورة واحدة، فهو يسكن المخيلة، ويكبر فيها كلما اتسعت الرؤية وانساقت معها أرواحنا صوب حلمها الأزلي ببلوغ منتهى الجمال الإبداعي لهذا النسق التعبيري المعقد.
www.geocities.com/atheer93 |