قرأت قبل فترة أن هناك عقاراً جديداً سوف ينزل للأسواق «ربما نزل الآن» يختصر دورات المرأة الشهرية الى ثلاث في السنة بدلاً من اثنتي عشرة دورة المعتادة. أظن أن هذا شيء مثير لأنه سيغير من الطبيعة الإنسانية التي اعتدنا عليها. هذا الحدث وأحداث علمية كثيرة تثير حشداً من التساؤلات بين الناس. هل الإنسان يتجه إلى كارثة؟ يمكن أن أقول ان كل شيء نعيش عليه الآن مخالف للطبيعة. في الماضي إذا أردنا للبقرة أن تحمل أحضرنا لها الثور ولا نأكل البطيخ أو العنب إلا في الصيف ولا يمكن أن نشرب اللبن إلا طازجاً. وملابسنا كلها مصنوعة من مواد طبيعية: القطن أو الصوف، ومع صفرة المغرب يعود الناس إلى بيوتهم يتعشون وبعد صلاة العشاء يذهب الناس إلى فرشهم.
الآن لو ذهبت إلى مزارع الألبان لاكتشفت أن كل البقر هناك لم تعرف روعة الثور في حياتها. وأصبح بإمكاننا أن نأكل منتجات الصيف في الشتاء ومنتجات الشتاء في الصيف. وهناك أطعمة نتناولها بعد سنة أو حتى بعد سنتين من إنتاجها. ومعظم ملابسنا مصنوعة من مواد كيماوية لا نعرف لها أساساً.
فالمواد الكيميائية أصبحت أساس حياتنا، في الأكل والعلاج والحب وحتى في تعديل المزاج والحالة النفسية. بموازاة مع هذا نقرأ عن انتشار الأمراض الخطيرة. وهذا دفع الناس إلى الإيمان بأن العيش في القرية ومن خلال التجانس مع الطبيعة هو أفضل لصحة الإنسان فكثير منا يحلم ببقرة وغنمتين وأن يحفر بئراً في الأرض وأن يزرع حاجاته ليتجنب استعمال المعروض في السوق من ألبان ولحوم وأطعمة مختلفة بما في ذلك الأدوية. ويستدل هؤلاء بالمعمرين الذين تصلنا أخبارهم من سهول القوقاز أو من مرتفعات تهامة. كيف عاش هؤلاء على الأشياء الطبيعية مما جعل أعمارهم تتجاوز المئة سنة ومازال أكثرهم يحتفظ بقوته ويستطيع أن يتزوج «هذا أهم شيء بالنسبة لنا». وفي خضم هذا الحماس للطبيعة والبكاء على الأيام الخوالي أتساءل: «ليه ما نفكر أن الله خلق الإنسان وخلق معه عقله وطالبه أن يستخدمه؟». فالطبيعة ليست هي الأشجار والقرية والصحراء وخرير المياه والبساطة وما صنفه الشعراء في قصائدهم. الطبيعة هي كل شيء خلقه الله سواء كان ظاهراً أو خافياً.
المواد الكيميائية هي أيضاً جزء من الطبيعة. وإذا تجاهلنا الشعراء قليلاً سنجد ان المعمرين في مرتفعات تهامة واحد أو اثنين من ملايين وليسوا كل أهل تهامة والقوقاز. وعمر الإنسان في أيام البساطة والتجانس مع الطبيعة لم يكن يتجاوز الستين بينما أبو ستين في أيامنا هذا نشيطاً كالشباب. كانت الأمراض تفتك بالناس ولم يكن أمام الإنسان إلا التفرج على أعزائه يموتون أو يلجأ للخرافات والدجل. فالمواد الكيماوية هي التي أنقذت ملايين البشر وأعادت للناس قدرات كانوا يفقدونها بكل بساطة. فاللقاحات والمضادات الحيوية والفياجرا وغيرها هي مواد كيماوية. يمكن ان نقول ان الإنسان أعاد ترتيب الطبيعة لمصلحته. انتقل من العيش في الطبيعة إلى العيش داخل عقله. وعقله في الواقع هو جزء من الطبيعة بهذه الحياة المفارقة للطبيعة يؤكد الإنسان أن الله كرمه عن بقية المخلوقات، فما فيه داعي نتباكى على الطبيعة. لأن ما نتباكى عليه هو كلام الشعراء وليس الطبيعة نفسها.
فاكس:4702164 |