* القدس المحتلة - خدمة الجزيرة الصحفية * :
أدى تجدد أعمال العنف في الشرق الأوسط إلى تبديد الآمال التي أنعشها الهدوءالمؤقت الذي ساد لبعض الوقت هذا الشهر في تحقيق وقف إطلاق نار دائم. وعبر تفكيره في اتخاذ قرار للرد على الهجوم الاستشهادي الفلسطيني الأخير، يواجه أرييل شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي، أزمة سياسية داخلية غير مستحبة تؤدي إلى تشتيت جهوده.
وفي الثالث والعشرين من مايو الجاري، قامت الدبابات الإسرائيلية مرة أخرى باقتحام جنين والخليل، وهما مدينتان تحت السيطرة الفلسطينية في الضفة الغربية.وقد حدث هذا الاقتحام بعد ساعات قليلة من قيام أحد الاستشهاديين بتفجيرنفسه.
وقد أدى هذا الهجوم إلى شن «عملية الجدار الواقي»، وهي عبارة عن اقتحام مكثف ومستمر للأراضي الفلسطينية بواسطة المدرعات والمشاة الإسرائيلية. وقد انسحبت القوات بعد ذلك من المدن الفلسطينية، ولكنها تواصل فرض حصار خانق عليها، مما يشل حركة المرور والتجارة بينها. علاوة على ذلك فهناك اقتحامات شبه يومية لهذه المدن.
وترفض المصادر العسكرية التنبؤ بما يخطط له من ردود انتقامية على التفجيرات الجديدة، ولكنها صرحت بأن التفكير في عملية اجتياح أخرى واسعة النطاق هو أمر مستبعد في الوقت الراهن. من ناحية أخرى، صرح نائب رئيس الأركان، الجنرال موشى يالون، بأن اجتياح قطاع غزة مجرد مسألة وقت. وتقوم إسرائيل بحشد قواتها منذ أسبوعين عبر القطاع، بعد التفجير الأخير في ريشون لتسيون، ولكن العملية قد أجهضت في النهاية.
وبينما لم تكن هناك أي ثقة في الأسبوعين الماضيين بأن الجزء الأسوأ من أحداث العنف قد ولى، فقد كان هناك بصيص من الأمل لدى المؤيدين للسلام والمجتمع الدولي الأوسع، وقد قامت أمريكا وأوروبا ومصر بممارسة ضغوط مكثفة لإجبار شارون على الامتناع عن هجومه المزمع على قطاع غزة، وفي نفس الوقت كانت الضغوط تمارس على عرفات، الذي أطلق سراحه مؤخرا من الحصار في رام الله، لكي يتحدث لغة معتدلة ولكي يتخذ خطوات فعالة ضد الإرهاب، وقد انضمت أصوات خارجية إلى الأصوات المتصاعدة من داخل الأراضي الفلسطينية تطالب بإصلاحات جذرية في صفوف السلطة الفلسطينية.
وبالنسبة للأمريكيين، فإن أحد الإصلاحات الفائقة الأهمية قد يتمثل في دمج كل الأجهزة الأمنية التي تتصارع على السلطة تحت مظلة السلطة الفلسطينية، وبالنسبة للكثير من الفلسطينيين، فإن الإصلاح يعني المزيد من الديموقراطية والحد من الفساد في قمة مؤسساتهم السياسية، وهناك لجنة حالية بالمجلس التشريعي الفلسطيني تخطط بالفعل لانتخابات جديدة. وصرح عرفات بأن ذلك يمكن أم يحدث فقط بعد أن تنسحب إسرائيل من كل المدن الفلسطينية إلى مواقع ما قبل الانتفاضة، مما يسمح للمناطق الفلسطينية باستئناف الحياة المدنية الطبيعية، ولكن في الثالث والعشرين من مايو الجاري، قال عرفات ان الانتخابات الرئاسية والتشريعية يمكن أن تعقد في وقت مبكر من العام القادم، وأن هذا «غير مشروط» بالانسحاب الإسرائيلي.ويقول المحللون الإسرائيليون بأن عرفات يمكن أن يحصل على أغلبية ساحقة إذا جرت انتخابات جديدة، فهناك بروفيسور يحظى بالقليل من الشهرة هو المرشح الوحيد لمنافسته، ولكن يأمل الإسرائيليون وليس فقط أولئك المقربون من شارون في أن يؤدي الخلاف السياسي المشتعل الذي بدأ يطفو على السطح في أوساط المجتمع الفلسطيني إلى ارتخاء قبضة عرفات على السلطة.
وقد ظل شارون على الدوام مؤمنا بأن عرفات «خارج الموضوع» ولا يمكن القبول به كشريك للتفاوض. وحتى بعض الشخصيات الهامة من شركاء الائتلاف المنتمين للحمائم، في حزب العمل، ومن بينهم إيهود باراك، رئيس الوزراء الأسبق، وكذلك حاييم ريمون، متحدييه على رئاسة الوزراء، يشاركونه الرأي. ويدافع كلاهما عن سياسة انسحاب جزئي إسرائيلي من جانب واحد في انتظار ظهور زعامة فلسطينية أكثر براجماتية، وحتى بين أعتى أنصار السلام، هناك عدم إعجاب واضح بعرفات.
ويقول صناع السياسة الإسرائيلية بأن واشنطن تبعث إليهم برسائل مشوشة بخصوص مستقبل الزعيم الفلسطيني العتيق، ويقول أحد كبار الساسة الأمريكيين بأن واشنطن تفضل مجيء قيادة فلسطينية شابة حصيفة جديدة، ولكن الدبلوماسيون الإسرائيليون يتم تعنيفهم بسبب تصميم شارون على استبعاد عرفات.وقد اعترضت واشنطن على توجيه اللوم لعرفات بسبب التفجير الأخير، وفي التاسع عشر من مايو، صرح ديك تشيني، نائب الرئيس بأن «هناك نوع من التفجيرات لا يستطيع عرفات منعها».
متاعب في الجبهة الداخلية
يبدو من المرجح أن يخرج شارون من الأزمة الأخيرة التي عصفت بائتلافه الهش سالما، وقد اندلعت هذه الأزمة عبر جدل برلماني حول الإجراءات الصارمة التي فرضت على الحكومة بواسطة عملياتها الأمنية المكثفة، ففي العشرين من مايو قام شارون بطرد أربعة وزراء ينتمون لحزب «شاس»، أحد الأحزاب الدينية المتشددة، والذي يمتلك 17 مقعدا من جملة المقاعد المائة والعشرين للبرلمان الإسرائيلي، وذلك لأنهم لم يقفوا إلى جواره، وقام وزير خامس ينتمي لنفس الحزب بالاستقالة تضامنا مع زملائه. كما تم أيضا التخلص من نواب وزراء من حزب «يهود التوراة المتحدين»، وهي جماعة دينية متشددة أخرى، ويؤدي فقد مقاعد شاس ويهود التوراة إلى عدم تمتع شارون بالأغلبية في الكنيست، ولكن في الثاني والعشرين من مايو، قام البرلمان بالموافقة على خطته المتشددة.ويتوقع الكثير من المراقبين أن يحصل شارون على الدعم الكافي لبقاء حكومته، فإذا فشل في ذلك واضطر إلى الدعوة لعقد انتخابات مبكرة، فإن استطلاعات الرأي تتنبأ بفوزه فيها.
* عن «الإيكونوميست»
|