* موسكو - خدمة الجزيرة الصحفية:
من المجحف فعلا اعتبار لقاء القمة الروسي-الأمريكي في موسكو لقاء «غيرتاريخى»، أو بالأحرى «غير تاريخاني»، ففيه تحققت أحلام الفقراء والأغنياء على حد سواء، فتقليص الترسانات النووية في البلدين، سواء بالتخزين أو الإبادة، سيحقق قفزة في التنمية الاقتصادية، وخاصة في روسيا، بصرف النظر عن البطالة الكارثية التي ستحدث، ناهيك عن أن الولايات المتحدة ستمنح روسيا مساعدة مالية متواضعة تقدر ب10 مليارات دولار للتخلص من ترسانتها النووية. في لقاء القمة تم التحدث في كل شيء وحول جميع قضايا البشرية باعتبار أن لقاء «الأشقاء» الجدد، بصرف النظر عن من هو الأخ الأكبر أو الأصغر جدير بمثل تلك المهمة، فبدأ الحديث بقضية «قرة باخ» الجبلية، ومر بالشرق الأوسط والعراق وتايوان وأفغانستان والشيشان وأفخاذ بوش وإيران وباكستان والهند وإسرائيل. وانتهي بتخليص روسيا من المواد النووية الضارة بهدف إسعاد شعبها، وإسعاد البشرية، كانت هذه باختصار شديد ملامح القمة الروسية -الأمريكية الخامسة بين بوش وبوتين، ولكن هامش «القمة» كان شيئا آخر تماما، ربما يبدو أكثر إمتاعا، مع عدم التقليل، بالطبع، من أهميته، كان التنافس في إظهار «السعادة» و«السرور» هو القاسم المشترك بين وسائل الإعلام الروسية، وخاصة المرئية، ولعل «القناة الحكومية (ار.تي.ار) بالتلفزيون الروسي كانت أسعد الجميع، حيث تابعت وصول رئيس «العالم» باهتمام لا ينافسه إلا الاهتمام بإطلاق سفينة فضائية من حيث دقة المواعيد، فبعد الرصد الدقيق بالثانية وأجزائها لوصول الرئيس بوش، وهبوطه من الطائرة، وعدد الدرجات التي قفزها، وقف الرئيس مع مستقبليه الروس ل«تحية العلم»، وعندما صدحت موسيقى السلام الجمهوري الأمريكي، قال معلق التلفزيون الحكومة الروسي: «قليلا ما كنا نسمع هذه الموسيقى الرائعة في بلادنا، ولكن من الآن وصاعدا سنسمعها يوميا»، أما وسائل الإعلام المقروءة فكانت متحفظة جدا في إبداء سعادتها التي أفسدها المواطن الروسي.
وأجمعت العديد من الصحف على عتابها للروس، والذي وصل إلى حد اللوم والتقريع ومن ثم الإدانة، وقالت إحدى الصحف في دهشة واستنكار: «قبل ساعتين من وصول الرئيس بوش كان الشعب الروسي يتجول بشكل عادي جدا في الشوارع، وقام ما يقرب من 1000روسي بمظاهرة أمام السفارة الأمريكية رفعوا خلالها «يافطات» ترفض زيارة الرئيس بوش لموسكو، ونتيجة للعدد الهزيل الذي لا يعبرإطلاقا عما يدور في رؤوس 140 مليون شخص، رأت وسائل الإعلام الروسية عدم وجود أية ضرورة للتعليق على مثل هذا الحدث، ربما لانشغالها بالتعبير عن سعادتها باستقبال رئيس «روما الرابعة» الذي جاء إلى موسكو متضايقا جدا من الاستقبال غير السار الذي أبداه سكان «روما الثالثة» في برلين، فقد كانت موسكو هي الإقليم الثاني لجولة الرئيس بوش بعد زيارته لألمانيا التي استقبلته بـ20 ألف متظاهر.
إن جولة رئيس روما الرابعة أمر طبيعي إلى الأقاليم. ولكن الأمر غير الطبيعي هو أن يبدى سكان الأقاليم رأيهم بهذا الشكل المثير للألم والامتعاض في آن واحد، خاصة وأن حكام الأقاليم يتسابقون حاليا في الحفاظ على أمن الإمبراطور وصحته، لدرجة أن برلين تحولت إلى ثكنة عسكرية تحسبا لأي ظرف «طائر».
أما الإقليم الذي استقبل رئيس روما الرابعة فكان فرنسا، ولأن هذا الكلام كتب قبيل الزيارة بساعات، إلا أنه من المؤكد أن يكرر سكان إقليم باريس، وبأعداد هائلة، ما فعله سكان روما الثالثة.
واستقبلت موسكو الرئيس بوش بإجراءات أمن مشددة حيث نثرت 15 ألف «عسكري» في الشوارع. ناهيك عن 432 من أفراد الاستخبارات، والكلاب البوليسية التي ملأت العاصمة الروسية، وتم إغلاق الشوارع المحيطة بفندق «جراند ماريوت» بشارع «تفيرسكايا» (شارع جوركي سابقا).
هذا الشارع هو الأشهر في موسكو، فعلى ناصيته الميدان الأحمر والكرملين وقبر لينين، وفي منتصفه ميدان بوشكين حيث تمثال الشاعر العظيم والورود دائمة الحياة تحت قدميه، وفي نهايته إحدى أكبر محطات القطارات في أوروبا (محطة بلاروسكايا). المشكلة أن البرلمان الروسي يقع في إحدى الحواري الجانبية بهذا الشارع، ونتيجة للإجراءات الأمنية المشددة تم إغلاق جميع المنافذ مما أدى إلى تأخر النواب البرلمانيين عن الجلسات اليومية، ووصل الأمر إلى أن طالب عضو الحزب الليبرالي الديمقراطي ألكسى ميتروفانوف في جلسة علنية توضيحا من لجنة الأمن بشأن منع نواب مجلس الدوما من الوصول إلى المبنى.
|