Wednesday 29th May,200210835العددالاربعاء 17 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

بعد الحصول على التشجيعية وجائزة أفضل رواية.. ميرال الطحاوي في روايتها الجديدة «نقرات الظباء»: بعد الحصول على التشجيعية وجائزة أفضل رواية.. ميرال الطحاوي في روايتها الجديدة «نقرات الظباء»:
الشعار القومي «فتَّتَ» وحدة القبائل العربية وليس العكس

شريف صالح
عالم متفرد ومدهش دخلت إليه الكاتبة ميرال الطحاوي.. عالم البدو في صحراء مصر.. لفتت الأنظار بشدة إلى قيم القبيلة العربية.. إلى روح العزة والكبرياء ومقاومة البدوي للتوطين.. صراعات عديدة عاشتها القبيلة برجالها ونسائها.. وجولات لا تنتهي عبر الأقطار العربية.. ومع أفول هذا المشهد التاريخي كانت المرارة والشجن والشعور بالاغتراب.. حالات إنسانية تملك ميرال الطحاوي مفاتيحها عبر روايات «الخباء» و«الباذنجانة الزرقاء» وأخيراً «نقرات الظباء» حيث الشخصيات تتغنى بالماضي وترسل الخطابات إلى ذويها في نجد أملاً في استعادة المجد:
الشهرة المبكرة
* بدأتِ بالقصة القصيرة ولم تعودي إليها.. لماذا؟
- أتصور أن القصة القصيرة شكل له أصحابه، بمعنى أن هناك قدرات لكل كاتب تبحث عن شكل تنسجم معه، وقد بدأت في الحقيقة بالشعر ثم اكتشفت أنني سأصبح مجرد «محاولة» شعرية لا تتحقق.. القصص القصيرة كانت مجرد بدايات لعوالم كنت أريد التعبير عنها، اكتشفت بعدها ولعي بالتفاصيل وبالحكي، وبالرغبة في الامساك بالحكايا من تفاصيلها وأن ذلك لا ينسجم مع بنية القص المقتصدة، المحايدة، غير المتورطة أساساً في التفاصيل. ومحاولاتي القصصية هي بدايات لرواية لم تكتب، مجرد تنويع لمغازلة الحكي. في الشكل الروائي أجد نفسي ويسمع لي باستيعاب ما هو شعري وحكائي في الوقت نفسه.
* روايتك الأولى الخباء حققت نجاحاً مدوياً، ماذا يعني لك هذا النجاح؟ وهل الشهرة المبكرة في صالح الكاتب أم ضده؟
- ليس في الكتابة نجاح مدو، لا يحدث هذا في العالم العربي أن يطبع كاتب بالملايين، ان تطبع الخباء أربع مرات لا يعني أنها كانت مدوية. أتصور أن الكتابات الأولى هي تمرينات على الكتابة، ولكن بالنسبة لي فأنا كتبت بعد حصولي على درجة الماجستير وبعد محاولات كثيرة لم أجرؤ على نشرها، بالاضافة إلى أن الخباء كانت تطرح عوالم قيل إنها «مدهشة» التي لا أؤمن بفكرة الدهشة، فما هو مدهش قد يتغير، والذي أحدث الدوي حقيقة هي الترجمة إلى لغات عدة في وقت قصير وما تلى ذلك من دعوات إلى خارج مصر، ربما هذا هو الفارق الوحيد، لأنه للأسف أصبحت الترجمة حكم قيمة على النصوص، وربما لأن المجتمع الثقافي يقبل الأشياء إذا ردت إليه، فالمردود يصبح أقوى وأكثر قيمة. هناك مقولة أؤمن بها أن التحقق عبر النجاح والشهرة يمكن أن يكون سهلاً إذا توفر بعض الحظ، لكن الكتابة الحقيقية لابد أن يتوفر لها عدالة التاريخ، فهو الذي يبقى على نصوص ويزيح نصوصاً أخرى، هذا التحقق في بداية حياتي على كل الأصعدة سواء النقد أو الترجمة، قد حقق لي شيئاً واحداً هو أنني صرت أكثر اشباعاً، ولا أجد في نفسي هذه المرارات التي يجترها بعض الكتاب، فليس لدي موقف حانق لا من النقد ولا المؤسسات، ليس لدي مرارات تجاه الحركة الثقافية، وهذا يتيح لي قدراً من الصفاء يسمح لي بمواصلة الكتابة، بمعنى أنني لا ألهث وراء النقد ولا أغازل الترجمة. أتذكر عندما كنت في بلدتي ولم أستطع حضور حفل توقيع روايتي الأولى مترجمة في الجامعة الأمريكية، وظللت لمدة أسبوع أقنع أهلي بأن أذهب..
الأشياء حدثت قبل أن أستطيع استيعابها، أنظر مثلاً إلى التجمعات الثقافية كلجنة القصة التي أنا عضو بها وصراعات الكبار من أجل السفريات، هذا يضحكني لأن السفر صار عبئاً عليّ، ففي الشهر الماضي على سبيل المثال كانت لدي خمس سفريات ما بين أورويا والخليج. مثل هذا الوضع يجعل للسفر معنى سلبياً ويكشف كيف يدار السفر الثقافي من أجل لا شيء. هل تتصور أنا أدعى ككاتبة لحضور مؤتمر عربي بشكل شرفي كمستمعة مع آخرين! كل ما أطمح إليه حالياً هو البحث عن الكتابة الجيدة، فالنجاح والشهرة ممكنان ولكن الكتابة عصية، خاصة إذا كانت مشروطة بالتطور والنضوج والوعي.
رواية صحراء
* يصنفك البعض بأنك تكتبين رواية صحراء، وتظهرين القيم القبلية باعتبارها أرقى من قيم الفلاحين والمزارعين، أليس في هذا ثمة تعصب لطبقة أو جماعة؟
- ليس لدى صحراء بالمعنى الفيزيقي إنما لدى ثقافة صحراوية أو قبلية، بمعنى بدون حاضرة ذات جذور فرعونية وزراعية. لدى اهتمام كبير بمكونات هذه الثقافة القبلية باعتبارها طريقة تصاغ بها الحياة، لأن الإحالة ستصبح واسعة: وجودية وسياسية وانسانية لم أعرف الصحراء بوصفها الفيزيقي لكنني ابنة مجتمع مغلق قيل لي أنه صحراوي، فيمكن فهم وضعية التقاليد والعادات على أسس ثقافية مستمدة من طبيعة الصحراء والبادية. ففي العرف الصحراوي أن المرأة كانت تخصب الأرض الجدباء، من خارجها ينظر إليها كوأد، وحتى مفهوم الوأد يمكن طرحه كنوع من الغداء. وكذلك منهم مصطلح العنصرية أو الشعور بنقاء السلالة، فالقبيلة جماعة تقوم على أساس مفهوم النقاء، صلة الدم والأنساب والزواج الداخلي ووجود النسابين والمحافظة على سلالات الجياد، كلها مظاهر تشير إلى واقع قبلي مازال يحكمنا، ففي بعض بلدان الخليج هناك من يزيل البيوت الخرسانية بحثاً عن حرية التنقل التي هي مرادفة للترحال في عالم البدوي. فالبدوي لا يعرف الاستقرار ولا يهتم بفكرة الثبات. أحاول أن أفهم ثقافة مازالت تحكمنا نسميها تقاليد أو عادات. وأعتقد أن المجتمع المصري أثر وتأثر في الوقت نفسه بهذه الثقافة. إن كنت أطمح أن تصبح هذه الجماعية البشرية التي أتحدث عنها إحالة إلى واقعنا العربي الراهن، ألم تجد في الأدب الذي يبيع قراريطه واحداً بعد الآخر ويتحدث طوال الوقت عن أمجاد أجداده السابقين ويخوض معاركه الوجودية بالأشعار، ما يقارب واقعنا الحقيقي؟!
الجزيرة العربية
* وما سر بحث أبطالك عن جذورهم في الجزيرة العربية تحديداً؟
- كل أشكال التواصل التي انقطعت بين كل قطر وآخر في العالم العربي تحييها فكرة القبلية، بمعنى أن قبائل الشمال الأفريقي كلها خرجت من بطون نجد.. هذه البطون التي مرت بالمغرب كله ثم عادت ألا تجسد فكرة الحراك الاجتماعي لمجتمع ظلت أواصره متصلة تماماً ولم تنتفِ إلا مع ظهور الشعار القومي. فاللافتات الكبيرة التي رفعت شعار القومية هي التي نسفت فكرة القومية حقيقة. فقبائل عنزة تنقلت مثلاً ما بين الأردن وسوريا ومصر، فتاريخ القبائل يحيي فكرة القومية لأنه في الحقيقة كل هذه البطون تنتمي إلى مهد واحد وقائمة على صلات النسب والقربى والجوار، فالقبائل التي كانت تسكن مصر حين يطاردها محمد علي كانت تلجأ إلى الأردن، فالتاريخ الرسمي الثوري القومي هو الذي بددها وجعلها تلجأ إلى تدوين الأنساب المطالبة بالعودة إلى الأراضي الحجازية.. لكن هذه الوثائق التي لا يمكن التكهن بصحتها تؤكد أن العالم العربي كان محيطاً لتنقل هذه الجماعات البشرية التي تسمى «العرب».. كثير من هذه المفارقات يرصدها النص كما يرصدها التاريخ أيضاً.
* وكيف ترين الصراع على الأرض والسيادة بين القبيلة من ناحية والفلاحين من ناحية أخرى؟ خاصة ان هذا المحور أساسي في عملك الأخير «نقرات الظباء»؟
- قوام القبيلة في كل المجتمعات قائم على فكرة النسب أو نقاء النسب. هناك صراع طبقي حاد بين طبقات القبائل وأصولها وما ينسب إلى الأجداد من أفعال قبيحة أو غير قبيحة، فهي فكرة قائمة على العنصرية في مواجهة الآخر. وهذا سرا لاحتفاء بالشعر الذي يتحدث بأمجاد القبيلة ويواجه بشدة القبائل المناوئة. حينما دخل العرب إلى مصر كفاتحين بدين الإسلام، هذا كفل لهم موقعاً سيادياً، فكان من نصيبهم الخراج، والأرض الجيدة، وقدر كبير من التبجيل، وموقع الأشراف الفريد والمتحيز داخل مصر، لأن المجتمع المصري ربط بقوة بين العرب والدين الإسلامي. هذه القبائل التي استوطنت مصر سنوات طويلة وقرون بعيدة من السيادة، وكما يقول أحد المؤرخين، جعلوا أرض مصر عقاراً لهم. من الأشياء المألوفة أن البدوي كان يطلق جياده في أي أرض يشاء، ولا يستطيع الفلاح المصري أن يعترض، وكثير من المعارك نشأت بسبب هذا بين الجانبين، كذلك نهب القرى وسلبها أصبحت مثل هذه الأمور رمزاً للشرف بأن القبيلة قوية وشجاعة.. في المقابل هذه الأفعال في ثقافة الفلاحين تصبح غير مشرفة بالمرة، أنا أرصد تناقضاً بين هذا الواقع الاجتماعي الذي يحتوي على فلاحي مصر والقبائل العربية والمجلوبين أو العبيد أيضاً. كنت أريد أن أبرز مفارقة بين إحساس هذا البدوي بماضيه العريق وبين تناقضات واقعه، لأن ثمة إحالة بين قدرتنا في التحدث بفصاحة عن أمجادنا العروبية وبين موقعنا التاريخي الآن يثير إلى الرثاء. لم أطلب من القراء التعاطف وإنما أطلب منهم فهم هذه العقلية لأن هذه الصراعات الطبقية - التي هي موجودة بالفعل - تظل هامشاً إلى جوار الإحالة الكبرى بأن كل هؤلاء البشر خارج التاريخ، وأن ثمة سوء فهم عميق بين الماضي والواقع.
انهيار
* الأشخاص دائماً يعيشون حالة حزن وشجن وإحساس بضياع مجد «وعزوة».. وبدا أن عالم القبيلة ينهار في لحظة واحدة.. برأيك ما أسباب هذا الانهيار الذي تصورينه ببراعة، في مشاهد الرواية؟
- أعتقد أن هذا المجتمع كان حاملاً لأسباب انهياره مثل ما أشرت إليه من تناقضات بشرية واحساس هذه القبائل بأنهم ضيوف على مكان، فهم دخلوا إلى الحاضرة ولم يتحضروا. فهذا الوضع المأزوم يحيل إلى واقعنا العربي. فمحمد علي أقطع إقطاعات لجماعات، لكنها جماعات لا تزرع ولا تعرف الزراعة والنتيجة أن الأب سيبيع هذه الأرض والابن سيبيع.. فهذا المجتمع يحمل بذور انهياره لأنه لم ينسجم أبداً مع هذه الثقافة الزراعية. وفي تصوري أن الأزمة الأكثر عمقاً هي عدم القدرة على فهم منطق التاريخ. الأسباب قد تكون كلها بمعناها الإحالي، فالأب يقيم مشروعات مثل مزرعة لتربية الخيول ويبحث عن مهرة نقية السلالة لاستعادة تاريخه.
فهناك عدم وعي بأن نقاد السلالة لم يعد يدل على شيء ولم يعد حكم قيمة في ظل تغيرات اقتصادية رهيبة، وقوة القبيلة لم تعد تقاس بعدد الخيول التي تمتلكها. هذا الواقع تغير ولكن الجماعة البشرية لم تفهم المعادلات الجديدة للقوة، وأن هناك معادلات أخرى لدلالة الأشياء، من هنا ظلت المشروعات التي يقيمها الأب مرة بعد مرة مآلها الاخفاق. وظلت الرواية تطرح نفس السؤال: لماذا تنهار هذه الثقافة؟ وهل ثمة تماثل بين ما يحدث بين هذه الجماعة الصغيرة وجماعة أكبر تسمى الأمة العربية؟! هل ثمة لحظة انهيار تقع لنفس الأسباب؟ هل صرنا بالفعل خارج التاريخ ولا نستطيع استيعاب حركته؟ الرواية كانت محاولة مني لطرح هذه الأسئلة وليس الإمساك بإجابة.. محاولة لاطلاق السؤال حراً.
النسوية
* بعض النقاد يحاول دائماً وضع رواياتك في خانة الكتابة النسوية ما تعليقك؟ وهل النسوية منطلق لك في الكتابة؟
- سئلت عن هذا أكثر من مرة، بالطبع لدي موقف من هذه القضايا، لكنه موقف انساني أكثر منه أيدلوجيا، قضايا التحرر، فالمرأة داخل مجتمع ذي طبيعة قبلية تحتاج إلى تعاطف، لكن لا أكتب عن قضايا المرأة للانتفاع بهذه القضايا واستثمارها، لا يمكن الادعاء أن المجتمع عادل تجاه هذه القضية، كما أنه لا يمكن النظر إليها باعتبارها الهم الوحيد، فالمجتمع يعاني من اشكالات ثقافية واجتماعية وسياسية كثيرة، فلا أُنصِّب نفسي مدافعة عن قضايا المرأة أو غيرها من القضايا، وإنما أغازل الكتابة، والكتاب فقط، فالمتن يتسع للمرأة والرجل والقبيلة.
* البعض يرى نجاح «الخباء» روايتك الأولى وما تلاها من أعمال، كان وراءه الترجمة إلى الغرب والكتابة وفق أجندة ترجمة معروفه سلفاً.. هل هذا صحيح؟
- أتصور أن القيمة الحقيقية التي يطلبها الغرب ألا تصبح الكتابة استنساخاً لما ينتجه هو من أدب. هناك حركة ترجمة واسعة من الهندي والصيني والتركي، وهناك أسماء كبيرة تم ترجمتها وأصبح لها وجود في الأدب العالمي من ثقافات متنوعة، لكن الأدب العربي مازال محدوداً ويطبع في دور نشر صغيرة ولا يهتم به أحد، بل هناك لوبي صهيوني يحارب الوجود العربي عبر الترجمة في كثير من دور النشر الصغيرة والكبيرة في أمريكا،و هناك حصار عنصري على الكتابة العربية، لأن قراءة هذا المجتمع العربي قراءة صحيحة لن تتم إلا إذا فتحنا باب ترجمة النصوص الأدبية على وجه الخصوص، وهذه فرصة لم تمنح لنا حتى الآن. ما يتم الحديث عنه في الأروقة فهو ما أسميه «المرارات الشخصية»!
* هل هناك كاتبات أسهمن في تشكيل وعيك ككاتبة؟
- هناك كاتبات عربيات كبيرات ولهن اسهامات حقيقية ودون ذكر اسم، فالمرأة العربية وصلت إلى حد كبير من الوعي بمشروعها، والوعي بالكتابة، ووصلت إلى مستوى من الثقافة والنضج يتيح لها وجوداً حقيقياً، دون عقد النوع. لا أنكر أنني ابنة مشروعات لأسماء كبيرة فتحت لجيلنا أبواب الكتابة أمثال لطيفة الزيات، غادة السمان، كوليت خوري. فوجود عدد كبير من الكاتبات سيتيح الآن قدراً من المنافسة، فلا يصبح للنص قيمة لأنه مؤنت، وإنما يكتسب قيمته من وجوده داخل حركة الكتابة ذاتها.
* هل تفكرين ككاتبة في البحث عن عالم آخر بعيداً عن الصحراء في رواياتك القادمة؟
- أتصور أن لكل كاتب عالماً واحداً وما يكتبه هو تنويعات على هذا العالم، تقترب أو تبتعد في مساحة واحدة للمتخيل. لدي حساسية من فكرة استجابة الكاتب لتوجهات الآخرين فنحن في عالمنا العربي نتقمص حالات كتابية واحدة ونتنقل بينها ونخلص لها أكثر من اخلاصنا لمشاريعنا الحقيقية، وبذلك لا نتوصل إلى هوية الكتابة ولا لخصوصية ما نكتب.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved