* القاهرة -متابعة - شريف صالح:
انتهت أيام كان ووزعت الجوائز في صيف سياسي صاخب وينذر بالمفاجآت من العيار الثقيل.. ويبدو ان السياسة تركت ظلالا ثقيلة على المهرجان من أيامه الأولى، بدأت من خلال توزيع الجوائز التي اعلنت مؤخراً أن الحسابات السياسية المعقدة كانت أكثر حضوراً من الاعتبارات الفنية هذا ما يتكشف عبر وقائع المهرجان وما صدر عنه من رسائل سياسية.. فلأول مرة توضع المدينة بكاملها تحت اجراءات أمنية مشددة وتحت أعين كاميرات مراقبة مبثوثة في كل مكان.
وقبل افتتاح الدورة الخامسة والخمسين ظهر على مواقع كثيرة على شبكة الانترنت ما يشبه حملة منظمة من بعض الأمريكان للمطالبة بمقاطعة المهرجان، بحجة العنصرية واتهام القائمين عليه بالتحيز ضد «السامية» من ناحية اخرى قدمت السفارة التركية احتجاجاً رسميا ترفض فيه عرض الفيلم الأرمني «أرارت» للمخرج الأرمني الأصل أتوم أجويان وذلك لأنه يفضح ما حدث للأرمن من مذابح بين الحربين العالميتين.
وتزايد الحضور الأمني والسياسي في المهرجان نظراً لوجود عدة افلام عربية من بينها فيلمان فلسطينيان هما «العناية الالهية» اخراج ايليا سليمان وفيلم «زفاق رانيا» اخراج هاين أبو أسعد في حين شاركت اسرائيل في المهرجان بفيلم كيدمان للمخرج أموس جيتاي وهو عن بداية تكوين ما يسمى بدولة اسرائيل، فالفيلم يتحدث عن سفينة متهالكة تحمل مجموعة من البشر - هم بقايا من اليهود الناجين من مذابح النازية والقادمين من أوروبا الشرقية وشمال افريقيا وتمضي بهم السفينة باتجاه فلسطين على حين يحلم كل يهودي أثناء الرحلة بأنه سوف يضع حدا لآلامه بالهبوط على أرض الميعاد ولكن بمجرد نزول تلك المجموعة تفاجأ بوجود قوات انجليزية تطاردها وطلقات نارية من قرى الفلاحين الفلسطينيين الذين يدافعون عن أراضيهم هذا ما حدث عام 1948 ومازال مستمراً والمخرج أموس جيتاي رغم انه مهموم بعمل أفلام عن اسرائيل الا انه يتبني وجهة نظر مضادة حيث يرى أن اليهود لن ينعموا بالأمان على أرض فلسطين لأنها ليست الجنة الموعودة كما جاء في التلمود. كما جاء الفيلم الاسرائيلي معارضا لسياسة شارون وباحثا عن رؤية انسانية أرحب جاء الفيلم الفلسطيني بعيدا عن الدعاية وعن الخطاب العربي المشحون والمتوتر حاليا، فالفيلم يتحدث عن قصة حب بين شاب وفتاة فلسطينيين لكن الجواجز الحدودية التي وضعتها القوات الاسرائيلية تحول دون لقائهما وتلك هي القصة التي دارت في إطار كوميدي انساني. أما المخرج الفرنسي البولندي المخضرم رومان بولانسكي فقدم فيلم «عازف البيانو» ليحكي عن آثار قضية المحرقة والهولوكست، ولكن دون مغازلة اليمين الاسرائيلي المتشدد بل كان الفيلم مشحونا بالابعاد الانسانية والجمالية بالدرجة الأولى.
وتتضح الحسابات السياسية المعقدة للجنة التحكيم في منحها السعفة الذهبية لفيلم «عازف البيانو» الذي يمكن اعتباره فيلما مجاملاً لاسرائيل وان خلا من الدعاية والخطابية كما ان مخرج الفيلم له وزنه في السينما العالمية وبالتالي أصبح فوز عازف البيانو بديلا لفوز الفيلم الاسرائيلي كيدمان حتى لا يبدو ان المهرجان يكرم اسرائيل في هذه الظروف العصيبة.
في المقابل كانت المفاجأة الكبرى في جوائز المهرجان والتي جاءت كنوع من التوازن السياسي منح الفيلم الفلسطيني (العناية الإلهية) جائزة لجنة التحكيم الخاصة لما تميز به الفيلم من نظرة حساسة ومبدعة ومليئة بالفكاهة ضمن أحداث الساعة المعقدة وانعكاساتها المأساوية ومخرج الفيلم المكرَّم إيليا سليمان من سكان فلسطين من مواليد الناصرة عام 1960 (عرب اسرائيل) وتم له الفوز بجائزة النقاد العالميين وقال في معرض حديثه عن الفيلم وعن موقفه السياسي مما يحدث انه يؤيد دولة واحدة لا اسرائيلية ولا فلسطينية.
ويعتبر هذا الفوز هو الرابع للعرب في كان لينضم إيليا سليمان الى المخرجين العرب الاخضر حامينا (فاز بالسعفة الذهبية) ولكن فوز ايليا سليمان يأتي ممزوجاً بحسابات السياسة وكأن لجنة التحكيم أرادت ان تكون متوازنة سياسيا الى أبعد حد وفي نفس الوقت تحاول ان توصل الى العالم انها تقف مع خطاب متسامح من الطرفين اما الخطاب الدعائي المتشدد فلن يسمح له بدخول بوابة المدينة الفرنسية الساحرة!
|