نشرت «الجزيرة» في عددها «10832» الصادر يوم الأحد الموافق 14 ربيع الأول 1423هـ 26 مايو 2002م وفي صفحة ثقافة اليوم قضية على درجة كبيرة من الأهمية تمس ثقافتنا العربية الأصيلة وهي الرقم العربي وحقيقة هذا الرقم، وقد طرحت «الجزيرة» القضية بمسمى «حيرة الرقم العربي»، وكان المبعث الرئيسي لهذه القضية هو انتشار استخدام الرقم الأجنبي بشكل واضح خاصة في الصحف وكانت من ضمنها «الجزيرة» مما دفع الكثير إلى استنكار استخدام هذا الرقم، وتحفز المثقفون والباحثون منهم فبادروا بتوضيح وجهة نظرهم وفي مقدمتهم كما أوضحت «الجزيرة» ثلاثة من المهتمين بهذه القضية هم د. يحيى بن جنيد أمين عام مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث، ود. تركي بن سهو العتيبي عميد البحث العلمي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والأستاذ هزاع بن عيد الشمري الباحث المعروف، وقد طرحت الجزيرة القضية للنقاش.
وما أود ان أشير إليه في هذا الموضوع ان الأرقام «3، 2، 1» هي أرقام أجنبية لا علاقة لها بالعربية، سبق ان صدرت فتوى بمنع استخدامها، كما ان هناك أمرا ملكيا بمنع استخدامها، ان هذه الفتوى والأمر الملكي يعتمدان على موقف علمي ثابت يبطل كلية دعوى عروبة هذه الأرقام، وقد عولج الموضوع بإسهاب من قبل مجموعة من الباحثين والمتخصصين بهذا الأمر، كما صدرت مجموعة من الدراسات والبحوث في كتب مستقلة ودوريات منها مجلة «عالم الكتب» التي ناقشت الموضوع بشكل موسع في العددين الخامس والسادس/ المجلد التاسع عشر «الربيعان/ الجمادان 1419هـ» واحتوى ذلك العدد على مجموعة كبيرة من الدراسات المتعمقة كتبها متخصصون في المخطوطات والمسكوكات والدراسات الإنسانية، أثبتوا من خلالها ان الرقم العربي الصحيح هو ما نستخدمه في المشرق «1 ـ 2 ـ 3» وانه ما درج على استخدامه أسلافنا منذ مئات السنين.
وهناك مجموعة من المتخصصين الذين كتبوا في هذا الموضوع خارج إطار عالم الكتب من مثال د. قاسم السامرائي الذي أفرد فصلاً عن الأرقام في كتابه «علم الاكتناه العربي الإسلامي» بين فيه أصالة هذا الرقم وعمق تاريخه في ثقافتنا العربية.
أما أبرز الذين تناولوا هذا الموضوع وكتبوا فيه بتفصيل وتوسع فهو الأستاذ هزاع بن عيد الشمري الذي نشر مجموعة من الدراسات من أهمها كتابه «الأرقام العربية والأرقام الافرنجية» الذي اشتمل على مجموعة كبيرة من المعلومات الدقيقة التي تؤكد على أصالة الرقم العربي الذي يستخدم حالياً كما وضح أن الأرقام التي تنسب إلى العربية وهي الأرقام الافرنجية «2 3 1» ليس لها أي صلة بالثقافة العربية الإسلامية.
إن مجموع الدراسات السابقة أظهرت بجلاء ان الرقم العربي الذي نستخدمه هو الرقم الصحيح، وبالتالي كيف نتنكر لرقم أصيل وننتقل إلى رقم أجنبي حجة من يستخدمونه في ادعاء عروبته ضعيفة واهية، فالرقم الذي نستخدمه وهو ما يعرف بالرقم المشرقي قديم قدم الثقافة العربية الإسلامية، ومتداول ومعروف في كل المناطق التي وصلت إليها الحضارة العربية الإسلامية، والشواهد كثيرة يصعب حصرها أو الإشارة إليها في حيز كهذا.
وقد سبق لي أن تحدثت عن هذا الأمر في مقالين لي في هذه الزاوية نشرت على التوالي في العدد «9860» يوم الاثنين 17 جمادى الآخرة 1420هـ/ 27 سبتمبر 1999م، وفي العدد «9874» يوم الاثنين 2 رجب 1420هـ/ 11 اكتوبر 1999م، وانتقدت شيوع استخدام هذا الرقم الأجنبي في الدوريات الشعبية، وكيف ان هذا الاستخدام يعزز ويرسخ استخدام هذا الرقم الأجنبي الذي يبدو قبيحاً، شاذاً وهو يجاور الحروف العربية الجميلة.
كما انني قبل فترة كتبت في هذا الموضوع ولكنه لم يقبل للنشر لا من الجزيرة ولا من صحيفة أخرى استخدمت ومازالت تستخدم هذا الرقم منذ صدورها.
كما انني اعرف ان هذا الموضوع قد ينظر إليه بعض الناس على أنه غير ذي أهمية، واننا لسنا بحاجة إلى مناقشة مثل هذا الموضوع، ولكن بما ان القضية تمس ثقافتنا وترتبط بكياننا فمن حقنا ان نناقشها وان نوضح الوجه الصائب فيها لأن اهمالها كما هو واضح أدى إلى شيوع الأرقام الأجنبية حتى هنا في المملكة بلد الإسلام والعروبة.
وختاماً:
أشكر ل«الجزيرة» فتحها الباب لنقاش هذا الموضوع، كما أناشد الزملاء الأفاضل فيها بالتراجع عن استخدام هذا الرقم النشاز في إطار النص العربي، والعودة إلى استخدام الرقم العربي الأصيل.
وكل ما آمله ان تؤدي هذه الحوارات إلى تصحيح المفاهيم، وإلى إعادة الأمور إلى نصابها واعطاء الرقم العربي الأصيل حقه من التقدير والاستخدام.
|