توصل الاتحاد الأوروبي بعد معاناة شديدة إلى اتفاق يتعلق بالفلسطينيين الـ13 الذين أبعدتهم إسرائيل من بيت لحم، وذلك بعد عشرة أيام من المماطلات والمفاوضات المخزية، ويمكن أن نلاحظ أن الأوروبيين، إبراء للمسؤولية، ورثوا ملفاً صعباً للغاية إذ إن الرجال الـ13 لم يتم توقيفهم ولم يحاكموا ولم يدانوا حتى من طرف السلطة الفلسطينية بل اتهموا بالقيام بعمليات معادية لإسرائيل، وقد نتج عن إبعادهم غضب بين عدد كبير من الناس، فقد ندم اليمين المشارك في الحكومة الائتلافية لأرييل شارون على عدم رميهم في السجن، وانتقد الرأي العام الفلسطيني الحل الوسط الذي وصف بالعار باعتباره سابقة خطيرة، ولم يكن من الصدفة أن تتحاشى كل من مصر والأردن اقتراح مساعيهما الحسنة واختارتا تجنب هذه المساومات.
لقد كانت المماطلات والمراوغات كثيرة للغاية حتى لا توصف أوروبا بالضعف، إذ تم الحديث طويلا عن اتفاق أولي لم يسفر عن شيء ورطت فيه إيطاليا بدون أن تستشار في الموضوع، ثم جاءت فترة الاعتبارات الداخلية والغياب الحذر للأوزان الأوروبية الثقيلة مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وأخيرا وافق ستة أعضاء في الاتحاد الأوروبي على تقاسم المبعدين، هل يمكن للاتحاد الأوروبي أن يفكر جديا في القيام بدور في الشرق الأوسط بينما توصل بصعوبة إلى إيجاد حل لمصير الفلسطينيين الـ13؟!
الحقيقة أن أوروبا تجد صعوبة كبيرة في إسرائيل وفي الأراضي الفلسطينية منذ زمن طويل، حيث أن المجهودات التي تبذلها على أرض الواقع تتآكل بسبب استحالة اتباع خط سياسي واضح على أعلى مستوى، فهي تتلقى إهانات وتحديات مستمرة بسبب استبعاد إسرائيل لها والتي تفضل تحالفها المتين مع الولايات المتحدة، إذ يعرقل رئيس الوزراء أرييل شارون دبلوماسيتها كما أنه قلما يقتصد في امتهانها، ويقوم الجيش الإسرائيلي من وقت لآخر بتدمير استثماراتها في الأراضي المحتلة ملقنا إياها دروسا ومؤكدا أن الأموال الأوروبية تمول الإرهاب.
إلا أن التزام الأوروبيين جدير بالاحترام حيث نادوا بشكل متكرر بإصلاح السلطة الفلسطينية قبل أن تجعل إسرائيل والولايات المتحدة منه موضوعا يساير الموضة، وقد سمحت مجهوداتهم المالية بإقامة دولة أولية خلال أوسلو ثم تجنب ما هو أسوأ منذ بداية الانتفاضة وتدهور الاقتصاد الفلسطيني.
واليوم تقوم إسرائيل، التي قررت تطبيق نظام جديد لتهجير الفلسطينيين في الضفة الغربية والذي يصفه بعض الدبلوماسيين الموجودين في عين المكان بالتمييز العنصري، بامتحان ضعف إرادة الاتحاد الأوروبي في معظم الأحيان، فإذا وافق هذا الأخير على قرارات التهجير بدون اعتراض فإنه سيفقد المزيد من مسؤوليته ومن ثقله، وبينما تبدو الولايات المتحدة خاضعة للوضع القائم المخزي فإن اختفاء أوروبا سيكون لا محالة مضرا للجميع، للفلسطينيين بصفة أكيدة وأيضا للإسرائيليين الذين سيتم التخلي عنهم لأوهام خطيرة.
|