كتاب تاريخي قيم للعلامة المحقق الكبير الأستاذ عبد الله بن محمد بن خميس عن الدرعية العاصمة الأولى يقع في أكثر من ستمائة صفحة محلى بالصور والوثائق النادرة وقد تفضل المؤلف مشكوراً باهدائي هذا السفر التاريخي الجميل انه كتاب الموسم ولا شك كتاب قيم نفيس لعلامتنا الجليل شاعر المملكة العربية السعودية والدرعية العاصمة الأولى تستحق أن يكتب عنها مثل هذا الكتاب فهي العاصمة الأولى لآل سعود وهي قلعة وطنية علمية وحضارية من طراز فريد وهي ولا شك انها ذات أثر كبير في تاريخ الجزيرة العربية كله منذ قيامها حتى اليوم.
ومن قبل أصدر العلامة الشيخ حمد الجاسر كتاباً عن الرياض بعنوان (الرياض عبر أطوار التاريخ) والرياض هي العاصمة الثانية لملك آل سعود وأول من جعلها عاصمة الإمام تركي بن عبد الله فكان من الأحرى أن يخرج كتاب عن الدرعية العاصمة الأولى التي حكمت جزيرة العرب قرابة ثلاثة قرون من الزمان. فكان هذا الكتاب سباقاً به أستاذنا الجليل ابن خميس وفي مقدِّمة المؤلف لكتابه يقول: في قلب جزيرة العرب قامت الدرعية قاعدة حضارية وعاصمة عربية اسلامية سليمة المعتقد بريئة الاتجاه طيبة العنصر بسطت نفوذها على جل الجزيرة العربية وحولت واقعها المرير إلى وحدة ذات كيان واحد وهدف واحد وعقيدة واحدة ورواية واحدة ويقول الأستاذ حسن فتح الباب في المقدمة التي كتبها أيضاً للكتاب: وفي الدرعية طلع فجر الدعوة السلفية على الجزيرة العربية ومن ثم كانت وما زالت مصدر إشعاع لا ينفد زيته الذي يضيء وعليها ثبتت أركان حكم صالح عادل قام على أساس هذه الدعوة السمحة الأصيلة وسعى إلى نشرها في الآفاق وانتقد تحت رايتها في معاركه ضد البغاة والمفسدين ذلك هو حكم أسرة آل سعود فليكن تاريخ الدرعية التليد كمسرح للبطولة وموئل للدعوة رافداً لمجدها الطريف وليدم قبساً من دعوة الحق توحد ولا يفرق ينشر النور ويبدد الظلام ويدعو للتي هي أقوم. بأن الدرعية التي أسسها جد آل سعود مانع المريدي في منتصف القرن التاسع الهجري (850هـ) قد قدم هو واسرته من جنوب غرب القطيف من بلدته هناك التي كانت تسمى الدرعية أيضاً إلى ابن عمه درع فنزلوا عليه فأقطعهم ابن درع مكان الدرعية هذا فسميت باسمها الدرعية الاسم هنا أخذ من اسم الدرعية القرية الصغيرة التي كانت قائمة هناك جنوب غرب القطيف أو انه نسبة لآل الدروع قوم مانع المريدي وهم بطن من بني حنيفة وعلى أية حال فقد قامت الدرعية كما يذكر ابن بشر في هذا التاريخ في كتابه (عنوان المجد في تاريج نجد) وأخذت تنمو على مدى الأيام من عام (850هـ) حتى عام 1109هـ حكم الدرعية ستة عشر والياً من سلالة مانع المريدي وأخيراً ظهر الإمام الهمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان ابن ابراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع المريدي على مسرح الأحداث في الدرعية وصار حاكمها وامامها وكان ذلك إيذاناً بانتقال الدرعية الى تاريخ جديد دخلته من أوسع أبوابه في حياتها الطويلة المديدة المباركة بإذن الله تعالى وعلى الجملة فالدرعية التي تقع في منتصف وادي حنيفة شمال غرب الرياض قد أصبح لها تاريخ وأصبح لها ذكر وصار لها أثر ضخم على كل الجزيرة العربية بل على العالم العربي والإسلامي ولله الحمد وكتاب علاَّمتنا الجليل «الدرعية العاصمة الأولى» يبدأ بمقدمة للمؤلف ثم بمقدمة ثانية للأستاذ حسن فتح الباب ويلي ذلك سبعة أبواب هي هيكل هذا الكتاب الدسم النفيس وهذا السفر الجميل، وكلها تتحدث عن الدرعية تاريخاً واعلاماً وسيرة وجهاداً وأثراً عميقاً ثم يلي هذه الأبواب السبعة وثائق تاريخية نادرة جداً على جانب كبير من الأهمية وصور تاريخية مختلفة عن معالم الدرعية وأعلامها، ولنقف عند هذه الأبواب السبعة وقفة دراسة وتحليل لنعرف ما اشتمل عليه الكتاب من بحوث ومواضيع على جانب خطير من الأهمية والقيمة التاريخية معاً، في الباب الأول يتحدث المؤلف الفاضل عن اليمامة موقعاً وتاريخاً واعلاماً واليمامة هي نجد الكبرى التي تقع الدرعية في وسطها على وجه التقريب منارة مضيئة مشرقة على مرور الأيام وتوالى الأحداث التي كانت حياتها قصة طويلة من الكفاح والمجد والمعرفة والحضارة وملحمة خالدة خلود الزمن والتاريخ أثرت كل التأثير في التاريخ العربي والإسلامي جميعاً على مدى أربعة قرون ونصف هجرية حتى اليوم واليمامة تاريخ طويل لا ينتهي وامتدادات واسعة عبر الجاهلية والإسلام وصحراء شاسعة تتخللها أودية وواحات وقرى صغيرة وهي على أي حال جديرة بأن يسجل تاريخها وتحصى أيامها ومفاخرها وبطولاتها وأعلامها وتسطر قصة حياتها جيلاً بعد جيل حتى اليوم. ومن أولى من الشاعر الكبير والعالم المحقق ابن خميس بأن يكتب هذه القصة للزمن والناس ويسجل هذا التاريخ ويسطر هذه المآثر العربية الشماء وهو ابن بجدتها ابن الدرعية البار وصاحب الدار أدرى بالذي فيه.
ويلي ذلك الباب الثاني وهو عن الدرعية يبرز اسمها في منتصف القرن التاسع الهجري وهذا الباب جدير بالتنويه ففيه قصة نشأة الدرعية وموقعها بالتفصيل والباب الثالث وقفات تاريخية بين يدي نشأة الدرعية وفيه تاريخ للمدينة وأعلامها الذين عاشوا جيلاً بعد جيل والباب الرابع خصصه المؤلف للحديث عن آل سعود الأماجد نسبهم وتاريخهم قبل دعوة الإمام المصلح الشيخ محمد بن عبد الوهاب طيب الله ثراه 1115هـ - 1206هـ وتاريخهم بين يدي الدعوة. أما الباب الخامس فيشتمل على عدة فصول مهمة. فالفصل الأول عن الحياة العلمية قبل ظهور الشيخ ودعوته السلفية والفصل الثاني عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ونشأته وتعليمه وابتداء دعوته واعداء الدعوة والفصل الثالث عن لقاء الدرعية والتغيرات بالدرعية وردود الفعل أمام حركة الجهاد والفصل الرابع عن عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب والتوحيد الخالص التقي المظهر في دعوة الشيخ والمسائل التي لج فيها خصوم الدعوة وأعدائها ومنها التوسل والشفاعة ودعاء الأولياء ثم عن القتال والتكفير والفصل الخامس عما قاله المنصفون عن هذه الدعوة السلفية مؤرخين وكتاباً وأدباء وشعراء ويجيء الباب السادس من أبواب هذا الكتاب الضخم ويحتوى هذا الباب على عدة فصول كذلك فالفصل الأول عن محمد بن سعود - رحمه الله - والفصل الثاني عن عبد العزيز بن محمد بن سعود والفصل الثالث عن سعود بن عبد العزيز «الكبير» وأهم الأحداث التي وقعت في عهده والفصل الرابع عن عبد الله بن سعود وبطولته وتاريخه مفصلاً واستشهاده حيث أعدم قتلاً في استانبول بأمر الخليفة العثماني هو ومن معه بعد أن طيف بهم ثلاثة أيام في جميع شوارعها وهم مقيدون في الحديد والأصفاد. وفي هذا الفصل بحث كتبه الأستاذ حسن فتح الباب بعنوان «أحوال المجتمعات الإسلامية في عصر العثمانيين عند ظهور الدعوة السلفية وقدم له المؤلف الكبير بعنوان «الحقيقة يبرزها قلم حر» ويقع هذا البحث في نحو 48 صفحة وكنت أستحسن أن ينشر في آخر الكتاب حتى يمتع المؤلف القارئ بالوحدة العضوية للكتاب وفي هذا البحث عدة مباحث صغيرة: البحث الأول عن فساد النظام السياسي أبان ذلك العهد المظلم الغاشم والبحث الثاني عن استشراء المظالم والتعسف والقهر وأخذ الناس بالظنة في تلك الفترة الحالكة الظلمة وفساد الأخلاق ونحر الفضيلة على مذابح السوء والبحث الرابع عن تدهور الأوضاع المالية والاقتصادية وعن الغش والكتناز وعن المضاربة بالنقود والبحث الخامس عن فساد النظام القضائي أبان ذلك العهد البغيض والمبحث السادس عن التخلف العلمي والثقافي وعن العلماء والعلم وعن الإعراض عن الحضارة الإسلامية والشغف بحضارة الغرب وأما الباب السابع فيحتوي على تاريخ مفصل لحروب محمد علي في الجزيرة العربية ويشتمل عدة فصول فالفصل الأول عن ملامح شخصية الجندي العثماني والفصل الثاني عن شخصية محمد علي صنيعة العثمانيين والفصل الثالث عن حقد العثمانيين على السلفيين دعوة ودولة والفصل الرابع عن استخدام الباب العالي مخلباً لقمع الدعوة وغرس الدم بين يدي حملات محمد علي الغاشمة والباب الخامس عن حملات محمد علي على الحجاز واستيلاء جيشه بقيادة ابنه طوسون ثم ا بنه ابراهيم على ينبع والزحف على المدينة المنورة والقتال الذي دار حولها وعن الحملة الثالثة لمحمد علي والفصل السادس عن نضال الدرعية ومعاركها بقيادة الإمام عبد الله بن سعود ضد جيش ابراهيم باشا وفي هذا الفصل حديث تفصيلي عن معارك شقراء وضرماء والدرعية وغبيراء قرب الدرعية وسمحة كذلك وعن استحكامات الدرعية وعن اضطرام القتال حولها وعن معركتي شعيب وقليقل وعرقة وامتداد القتال الى جميع الجهات وفيه تفصيل لما حدث من اشتعال النار في مخازن ذخيرة ابراهيم باشا ويفصل المؤلف الحديث عن توالي المعارف وعن الوشايات التي كانت تحدث آنذاك من ضعاف النفوس وعن صلابة أهل السهل والبحيري وعن مساعي السلام وفشل المحاولات الأولى وعما حدث بعد ذلك من عقد الصلح بعد سقوط آخر موقع وعن قتلى العثمانيين وشهداء الدرعية في الحرب وما حدث من تعذيب لبعض العلماء وعن اعدام البطل الإمام عبد الله بن سعود وعن شهداء النواحي وعن تاريخ الدرعية في هذه الفترة الحالكة المظلمة فترة الهزيمة والضياع التي قامت فيها الغوغائية والمجازر الرهيبة وعن معالم الدرعية وأعلامها وعن العلم والعلماء في الدرعية وما قيل في رثائها وغير ذلك من الحقائق التاريخية الجليلة ويلي الباب السابع وثائق تاريخية كبيرة الأهمية في تاريخ الدرعية ومحاضر محاكمات استانبول مع الإمام عبد الله بن سعود رحمه الله وغفر له، ورسائل متبادلة بين طوسون ووالده محمد علي وابنه ابراهيم باشا عن بدء معارك الدرعية وحريق مستودع الزخائر وحصار الرس كما رواه ابراهيم وفتح شقراء كما وصفه ابراهيم باشا لوالده وغير ذلك من الوثائق المحققة ذات الأهمية الكبرى التي تنير للباحثين طريق البحث عن الحقائق المجهولة في تاريخ الدرعية العظيم وجهادها الخالد. ان هذا الكتاب القيم حسنة من حسنات المؤلف وهو كتاب سد نقصاً كبيراً في المكتبة التاريخية في العالم عن المملكة العربية السعودية وعن الدرعية العاصمة الأولى للدعوة والدولة والمؤلف في كتابه مشرق الأسلوب ناصع العبارة بليغ التصوير وواضح البيان وأخيراً فماذا أقول عن كتاب جدير به أن يتصدر الكتب التي ظهرت في تاريخ الدعوة والدولة والمملكة.. انني أقول انه موسوعة تاريخية في كتاب.. والله من وراء القصد.
|