لوحدك أنت.. واقعك وجها لوجه مع ذاتك جلوسا على بساط الحقيقة.. فيداهمك بكل فجاءة وخْز من الألم الخفي مصدره.. يوقظك من النوم وأنت لم تنم.. تلتفت يمنة.. ويسرة تسرق أخرى.. فيراودك الاحساس.. ويرودك الظن/اليقين بأن الزمن صامت لقصد.. متوقف على ضدك.. فتلجأ إلى التشاغل عن ذلك.. تلتقط كتاباً.. أو تهاتف «شيئاً» كان في الماضي يمثل شيئاً لك.. أو تفتح التلفاز.. غير أن الزمن يبدأ بالتمخض عما يريد لك رغم أنف كافة ما اتخذته من اجراءات.. فتشيح بوجهك عنه.. وتطرق برأسك نحو الأسفل.. حيث تعتقلك القناعة بالا مفر لحظة أن لمحت جحافل الألم تطبق عليك من كل جانب.. فتلقي بأسلحة المقاومة.. وتبدأ بمفاوضة ذاتك على الاستسلام لإيلام ما قدره أن يُلم بك.. وفي النهاية تتفقان أنت وذاتك على منح الألم ما يريد من المساحات في الكيان.. فتلوح له بيدك كأنك تدعوه ليقدم ويفعل ما يشاء.. هنا فقد أذنت للألم ليعبر أجواء الحياة فيك..
إنها بوارح الألم تعصف الآن في أجواء كيانك.. فإياك إذن ومراوغتها.. بادر فعالج ألمك بتجاهله.. إياك والترحيب أو الإحتفاء به بالأدوية والمضادات.. لا تفعل ذلك.. لا تمنحه الشعور بالتفوق فيزداد غطرسة وايلاما.. لا تكرمه وتوهن جسدك فيستطيب الاستضافة فيبقى.. إن العناية بالألم أكثر مما يستحق دعوة له للبقاء.. أما قبول إيلامه فهو رسالة احتجاج صامتة منك إليه.. مفادها بأنه غير محسوس به مهما فعل بك.. فبادر بقطع الطريق عليه.. أعلن الخضوع له بلا شروط.. والتزم الصمت مهما تعالت صيحات ايلامه فيك.. أقضَّ مضاجعه بالتجاهل مهما أقضَّ مضاجعك بالمواجع.. فالألم يسأم في النهاية تكاليف الصبر عليه.. إنه لا يطيق المكوث في كيانات الصابرين..فهلا ألعقت الألم الصبر بالصبر عليه..؟!
قد تقول ومعك الحق ما مفاده إن «الألم يرحل ليعود».. لأقول والحق هذه المرة معي إنه من الصحيح أن الألم يعود فيرحل ليعاود ويعاود.. غير أنه يعود كل مرة بعزم أضعف.. بإيلام أقل.. بمكوث أقصر.. فالصبر على الألم يقتل الألم.. فيموت ميتة الحسود صبراً بالصبر عليه.. بل ان الصبر على الألم يعكس ادوار الإيلام.. حيث يؤدي ذلك إلى إصابة الألم بالألم ذاته.. فتنتكس صحته وعنفوانه وحينها يموت الألم بموت إيلامه..
..الصبر المناعة.. والمناعة ضد الشيء قتل لتأثيره.. ومن المؤكد أن قتل التأثير قتل للمؤثِّر.. حياة للمتأثِّر..
|