Sunday 26th May,200210832العددالأحد 14 ,ربيع الأول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

وداعاً شاعر المدينة وداعاً شاعر المدينة
أحمد إبراهيم البوق

حين يموت الشعراء لا نبكيهم، لأننا نخجل من طفل تركوه بين مشاعرنا أن يلحظ الدمع في عيوننا، ألم يقل الشاعر محمود درويش ذات شعر:
«وأعشق عمري لأني
إذا مت أخجل من دمع أمي»
إنه الشعر إذاً، ذلك المخلوق الجميل والمشاكس الذي يلهو في حضرة الشعراء، وحين يموتون يشعر باليتم، ذلك الطفل الذي كلما قرأه أب أو أم واعجبوا به تبنوه.
* .
إذا كان الله من فوق سبع سموات استثناهم فلماذا تستكثرون عليهم ذلك، حين تحول إلى شعر المناسبات كنا نتجادل مطولاً في اللقاءات القليلة التي كانت تجمعنا في منزله أو منزل الوالدة، كنت أناديه «الخال» رغم أنه خال لأمي. كان أقرب إلى نفسي لأنه من القلائل الذين يبعثون الحياة في المجالس بكلام يكسر نمط الرتابة. إذا لم تكن تلك من وظائف الشعراء فما هي إذاً. كنت أقول له ألا تعتقد أنك أسأت للشعر حين كرسته للمناسبات؟!. الشهادة لله لم يضق بالنقد أبداً كان يعتقد أن الشعر ينبغي أن يظل موصولاً بالناس، كافة الناس، وهو أشبه ببطاقات الهوية التي تصدرها الدول لرعاياها وأن ذلك في ظل الظروف الحالية غير ممكن بغير اقحامه في الأفراح والأتراح. إن ذلك لا يأخذ منه وقتاً ولا يتطلب جهداً عظيماً ولكنه كان يستمتع بدور الملك في مملكة الشعر. أنا كنت أرى أن ذلك يسيء إلى الشعر حين يعطي انطباعاً أن هذا هو الشعر. ذات جدل قال لي: إن الناس تتفاعل مع ما يخصها ولكن حين يسمعون الشعر الحقيقي في ذات القصيدة ولا يفهمونه يتقبلونه ويقولون: إن المعنى في بطن الشاعر. ألقى ذات حفل كبير قصيدة طويلة لم أجد فيها سوى أربعة أبيات من الشعر في مطلعها كانت مذهلة حد الدهشة إنها أشبه بوجه ساحر على جسد أقل من عادي، حين زرته في العيد الماضي مع أخي الدكتور يوسف قلت له في السيارة قبل أن ندلف لديوانه سأطلب من «الخال» هذه القصيدة وليس فيها سوى أربعة أبيات في مطلعها.
حين طلبتها منه أحضر ديواناً مطبوعاً على الآلة ووضع نظارته بهدوء وقلّب الصفحات ثم حين وجد القصيدة ابتسم وخلع النظارة بهدوء أيضاً وقال لنا: ليس في هذه القصيدة سوى أربعة أبيات من الشعر في مطلعها. كنت أعرف أنه يعرف ولكن تصريحه رحمه الله فاجأني، هذا الوعي كحد السيف يفصل بين الشعر والنظم ولم يقرأ يومها غيرها. رحم الله «الخال» محمد هاشم رشيد شاعر المدينة وابنها العاشق الذي دب على ظهرها شاعراً طفلاً واستلقى في بطنها شيخاً تاركاً آلاف الأحفاد منثورة في بطون الكتب وعلى شفاه الناس.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved