Sunday 26th May,200210832العددالأحد 14 ,ربيع الأول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

شيء من شيء من
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

لماذا لا نعترف بالحقيقة ونقول: إن جميع الدول العربية، تقدم مصالحها الذاتية على مصالحها القومية. وان مقولة «بلاد العرب أوطاني»، وكل ما تعلمناه في المدارس من شعارات ومقولات وقصائد تتحدث عن الوحدة العربية، وأهداف الأمة الواحدة، أقل ما يقال عنها اليوم انها تهريج ومحض افتراء.
لقد أصبح ما يسمى بالدولة القطرية في أدبيات الستينيات السياسية، بمثابة الدولة القومية اليوم. فكوني سعودياً، يهمني بلدي أولا، وتقف قضاياه التنموية والحضارية،وهموم انسانه، في سلم أولوياتي على الاطلاق. وما ينطبق عليَّ، ينطبق - أيضا - على أية جنسية عربية أخرى على الأقل عند مستوى التطبيق، وان كانت شعارات البعض تختلف عن ممارستهم على أرض الواقع. معنى ذلك، ان المصلحة القومية عندما تتعارض مع المصلحة الوطنية، فإن الجميع يُقدم المصلحة الوطنية دونما تفكير.
قد يقول قائل: ولماذا تفترض ان ثمة تعارضاً بين هموم الوطن والمصالح القومية. أقول: وماذا تسمي تلك الدعوات التي تطالعنا صباح مساء، في مقالات الصحف، وفي لقاءات القنوات الفضائية التلفزيونية، واتصالات المشاهدين ببرامجها، التي تندد بالمواقف «المتخاذلة» تجاه القضايا القومية من قبل الزعماء العرب، مطالبين بتقديم ما يسمى بالهم القومي تقديما مطلقا، حتى وان كان على حساب الوطن، أو كما يسمونه: القطر..
ان هذا التناقض الكبير بين الممارسات الواقعية، وما نرفعه من شعارات، واقحام ذلك اقحاما في مناهج التعليم، وترديده كمبدأ استراتيجي في وسائل الاعلام، قد خلق نوعا من التشتت الذهني والمنهجي لدى المواطن، وجعله يقع في ما يشبه الحيرة بين ما يُقال على مستوى الخطاب السياسي، وبين ما يراه كممارسة سياسية على أرض الواقع؛ الأمر الذي جعل «هويته» غير واضحة المعالم بالنسبة اليه. ولعل من نافلة القول ان عدم وضوح الرؤية، وبالذات فيما يتعلق بالهوية ، هو من أخطر المخاطر على ذهنية الانسان وعلى تفكيره وتوجهاته وعلى معاييره السياسية، وهو تحديدا ما أخشى على المواطن السعودي منه..
هنا تبرز علاقاتنا التاريخية كسعوديين مع الغرب، وبالذات مع أمريكا؛ تلك العلاقات التي أرسى قواعها الموحد العظيم الملك عبدالعزيز رحمه الله قبل أكثر من ستين عاماً. هذه العلاقات كانت محورا مفصليا فيما وصلنا اليه، سواء في مجالات التنمية الاقتصادية مقارنة بمن حولنا، أو في مكانة المملكة الخارجية وثقلها السياسي العالمي. وقد كانت علاقاتنا بالغرب ذات يوم بمثابة «العيب» الذي كانت تعيّرنا به ما كان يسمى بالدول الثورية أو القومية العربية؛ لتدور الأيام، وتتغير القوى، ويكتشف القوم ان اختيارنا الاستراتيجي التاريخي، خيار عبدالعزيز، هو الذي ربح الرهان في النهاية، وان أولئك القوميين والثوريين والغوغائيين الذين أقاموا الدنيا علينا «البارحة»، هم أنفسهم «اليوم» الذين يستجدون منا استجداء التوسط لهم لدى الغرب، ولدى أمريكا على وجه الخصوص، لحل قضاياهم ومشاكلهم، بحجة أنها قضية الجميع القومية!..
غير أننا يجب ان نتنبه الى ان ما وصلنا اليه اليوم من قوة، ومن مكانة، ومن استقرار، كان لسبب رئيسي مؤداه:«الوطن وتنميته أولاً». هذه حقيقة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار. وطالما ان كل النتائج والشواهد والمؤشرات تفيد اليوم ان هذا الخيار هو باعث استقرارنا، وسبب ثقلنا الاقليمي والعالمي، فلماذا لا نعلنها بصراحة، ونقول: الوطنية قبل القومية، وإن رغم أنف زيد أو عمر، ونعلّم ذلك أبناءنا، ونرفعه على مستوى الشعار والممارسة في آن؟ فقط كي لا يتشتت شبابنا بين أيهما له الأولية، الوطنية أم القومية.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved