حقيقة أود أن أعرب لكم عن عمق تقديري لهذه الصحيفة العملاقة لأنها بحق عملاقة وسعيها الدؤوب للارتقاء بالمستوى الفكري وقربها من قرائها وهذا ما يميز المنابر الإعلامية في هذا البلد الخيّر.
وما أود التطرق إليه هي الصحافة من منظور قارئ فهذه المهنة شاقة ومن أصعب المهن إن لم تكن أصعبها ومن يرغب في أن يبحر معي فليقطع تذكرة لأن الصحافة بحر والصحف هي السفن التي تبحر بالقارئ وتتجنب عواصف البحر وهديره وتراقب المد والجزر بحذر وترسو بإذن الله إلى بر الأمان محققة الأهداف المنشودة إذ يعتقد البعض أنها عكس ذلك.
فكتابة المقالة تتطلب جهداً ذهنياً وتركيزاً وانتقاءً للكلمات وربطا للأفكار، وقد يهجم على ذهن الكاتب جيش من الكلمات وهو واقف عند إشارة المرور داخل سيارته ما تلبث أن تختفي، فهي مسألة تقديرية وهدف الكاتب هو الوصول إلى عقل القارئ بيسر وسهولة، فما بال الكتاب الملتزمين بالكتابة اليومية الذين حملوا على عاتقهم هذه المسؤولية الجسيمة والمساهمة الفعالة في نشر الوعي ومواكبة التطور المذهل والمستجدات المتلاحقة وجلد الذات اليومي.
وفي تقديري أن الكاتب في هذه الحالة لو أخفق في مقالة ما أو بالأحرى لم يصل إلى قناعة القارئ فإنه في هذه الحالة يتوجب أن يتسع أفق القارئ وألا يتسرع بإطلاق الأحكام وأن يدع للتأمل والتروي مساحة قبل إصدار حكمه، فالذي يعمل مثلاً في مؤسسة ما يعمل تحت إشراف مدير واحد يراقب ويقيم جهده ونشاطه، أما الصحفي فهو يعتبر كل القراء بالنسبة له مديرين وينشد عمق وصفاء التواصل الفكري، لأن القارئ هو المقياس الحقيقي لنجاح الكاتب المتميز، والمسلم ولله الحمد والمنة في هذا البلد الطيب يتمتع بحسن الخلق والأدب الجم ولا غرو فهو يستمد هذه القيم والمبادئ من كتاب الله وسنة نبيه محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم، ولنا في ولاة الأمر قدوة حسنة وحرصهم الدائم بالالتزام والسير على هذا النهج وغرس المثل العليا في عقول أبنائهم. وما يتميز به حقيقة كتابنا الأفاضل هو الفكر الثاقب وبعد النظر ورحابة الصدر والتعامل الحضاري الراقي فهم يسخّرون أقلامهم لخدمة الأمة بمعزل عن التجريح وتصيد الأخطاء، والحرص على النقد الهادف البناء وتسليط الضوء على مواطن الضعف وتمكين المسؤولين من الاطلاع عليها. بيد أنه تقع على الصحفي بحكم الممارسة والاحتكاك مع القراء مسؤولية إيجاد الحلول المقترحة بمعنى أنك تشير إلى مشكلة معينة فإنه يتعين أن يصاحبها الاقتراح للمعالجة وليس بالضرورة أن يكون صواباً فحسبك الاجتهاد والتوفيق بيد الله سبحانه وتعالى. ويستطيع أن يستعين بقرائه مستنبطاً أفضل الحلول بإذن الله فهم خير سند له في هذه المهمة النبيلة، وقد يعتقد البعض أن قراءة الجريدة لا تعدو كونها معلومات عابرة وهذا مفهوم خاطئ فقراءة الجريدة ثقافة وسعة اطلاع وحتماً ستضيف إلى مخزونك الفكري معلومات قيمة وتساهم في صقل وتنمية مواهبك، ولاسيما أن صحفنا ولله الحمد تزخر بعدد هائل من المفكرين والأدباء فنحن ننهل من ينابيع أفكارهم النيرة والمستقاة من الشريعة السمحة.وأستميحكم العذر في جرأة قلمي واقتحامه هذا المجال وما دعاني إلى سرد هذه الخواطر هو موقف مر بي أثناء قراءتي مقالة في إحدى الصحف، وربما والله أعلم أن الكاتب قد جانب الصواب في الفكرة على الأقل من وجهة نظري وقرأت له في اليوم الثاني فوجدت إنساناً يتمتع بإحساس مرهف ورأيته يقلب فكرتي التي كانت بالأمس رأساً على عقب من خلال التراجع أو بالأحرى الاستدراك الدبلوماسي الباهر والذي جُيّر نصراً له وهذا ناتج عما يتمتع به من بعد النظر وذكائه في تسخير الخبرة في كسب احترام وتقدير قرائه.وما أود الوصول إليه هو أن الصحفي في النهاية بشر وهو يتحاشى الوقوع في الخطأ بكل ما أوتي من قوة ولكن قد تجري الرياح بما لا تشتهي في الصحفي.ولكم تحياتي،،، والسلام
حمد بن عبدالرحمن المانع/الرياض |