Friday 24th May,200210830العددالجمعة 12 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

فلسفة التربية والعقاب.. وبؤس الفلسفة والعذاب! فلسفة التربية والعقاب.. وبؤس الفلسفة والعذاب!

عشر طالبات في المرحلة الثانوية من مدرسة واحدة في المنطقة الشرقية «يدردشن» فيما بينهن وربما مع أخريات في أحد منتديات الإنترنت، وتناولن بعض المعلمات بالنقد اللاذع، وأطلقن عليهن أسماء من شخصيات أفلام الكارتون مثل «كونان» و «بوكيمون». تمكنت إدارة المدرسة من معرفة هوية الفتيات وجرى التحقيق معهن وحصلت من الفتيات على اعترافات ممهورة بتوقيعهن، ومن ثم رفعت المدرسة الملف إلى إدارة تعليم البنات بالشرقية التي قررت عقابهن بأهون درجات العقاب وهي منعهن من مواصلة الدراسة النهارية وتحويلهن إلى التعليم من منازلهن.
هذا هو فحوى الخبر الذي نشر في بعض الصحف يوم الأربعاء 22 صفر الموافق 8 مايو. ماذا تنتظر منا إدارة التعليم؟ أن نقول «برافو!» شدوا حيلكم الله يقويكم! لكم اللحم ولنا العظم! أو أن نشيد بالفهم العميق لمفهوم التربية ومبدأ العقاب.
تقول إدارة التعليم: إنها استخدمت هذا العقاب رأفة بالطالبات لأن حرمانهن من درجة السلوك سيمنعهن من الالتحاق بالجامعة، ولكن تحويلهن إلى نظام المنازل سيحرمهن من أعمال السنة وعلامات الامتحانات الشهرية. أي أن الفتيات سيدخلن الاختبارات وأقصى ما تستطيع (أشطر) طالبة فيهن وأكثرهن ذكاء ومثابرة واجتهادا هو 60% من العلامة الكاملة، ولكن الإدارة الموقرة لا ترى في هذه العلامة المتدنية ما يمنع الالتحاق بالجامعة.
وتبرر الإدارة الموقرة عقابها «لأن المرء البالغ إذا أساء ولم يعاقب فسوف يستمر في الخطأ وقد يقع فيما هو أكبر» «!» وإذا كان هذا هو مبدأ الإدارة فعلينا أن نقاضيها إذا عاقبت أي طالبة «لم تصل سن الحيض» بعد.
والإدارة هنا تقحم سن التكليف الشرعية في مفهوم تربوي بحت يعتمد على العقاب الإنساني والثواب لتعطي عقابها مبرراً دينياً، هل نفهم أن الإدارة لو كانت لها سلطة منح جوازات السفر ستعطي من «بلغ» جواز سفر بناء على طلبه ودون موافقة والده، وهل ترى الإدارة أن من «يبلغ» يستطيع الحصول على رخصة قيادة السيارات دون الالتفات لشرط العمر، وهل تؤمن الإدارة بأن غير البالغ لا يعاقب لأنه لن يستمر في الخطأ؟!.
والإدارة بعقابها هذا تقدم خدمة جليلة للطالبات لئلا يمضين في الخطأ وكي لا يقعن فيما هو أكبر. وتريدنا الإدارة أن نقتنع بأن طالبة مراهقة محبطة وممنوعة عملياً من مواصلة الدراسة في المستقبل تتنازعها أحاسيس الشعور بالذنب والشعور بالقهر والظلم لن تكون عرضة لارتكاب أخطاء أكبر في المستقبل.
أما الأنكى من ذلك فهو أن الإدارة لم تفصح عن كيفية وصولها لمعرفة هوية الفتيات معتبرة ذلك غير ذي جدوى «ما دامت الطالبات وقعن على إقرار بذلك»!
وهنا لم تترك لنا الإدارة مجالاً إلا أن نقول: إنه أغلب الظن، وبعض الظن إثم، أن تكون المدرسة أو الإدارة قد اتبعت وسائل ضغط وإرهاب وإكراه، أو استخدمت طالبات أخريات ضد زميلاتهن، أواخترقت خصوصيات الفتيات أو شيئاً من هذا القبيل لتتمكن من الإيقاع بهن، مهما يكن الأمر فإن ما يجب أن تعلمه الإدارة أن الشكل «أي أسلوب الضبط» جزء أساسي من الواقعة بمعنى أن كثيراً من التهم تسقط حتى ولو كانت ثابتة على المتهم إذا ما أخطأت السلطة التنفيذية في اتباع الأسلوب القانوني. وأخيراً فإن الاعتراف تحت التهديد لا يعتد به ويصبح من صالح المتهم. ولو وصلت قضية هؤلاء الفتيات إلى ديوان المظالم لدقق الديوان بكل جوانب القضية وربما يدين في النهاية المدرسة أو الإدارة لا لأن الفتيات بريئات مما نسب إليهن، ولكن لأن تعدياً على النظام حدث من قبل المدرسة أو الإدارة بعدم اتباع الوسائل القانونية.
ووضع نظام التعليم نظام المنازل لإتاحة فرصة التعليم لربات البيوت وأرباب العمل وليس ليكون إجراء عقابياً.
وفي النهاية الموضوع لا يتجاوز رهطاً من الفتيات المراهقات بنقد معلماتهن ووصفهن بألقاب ساخرة، في تلك السن الجامحة المتميزة بتشوش الهوية والمميزة بالاعتراض على المجتمع والآباء والنظام، وكل ما يتمناه المرء أن يتجاوز أبناؤه هذه المرحلة بسلام، ولم تفعل هذه الفتيات غير أنهن مارسن سنهن مع تأكيدنا على عدم قبولنا لمثل هذا التصرف.
بالإضافة إلى أنه لا تخلو مدرسة حتى في المرحلة الابتدائية ولا مكان عمل من ألقاب يصف بها الطلبة والمرؤوسون بعض معلميهم ورؤسائهم وزملائهم سراً. بل قد لا تخلو إدارة التعليم نفسها من ذلك.
ولن تكون إدارة التعليم إياها أكرم ولا أكثر حرصا من الدولة وهناك مواقع مفتوحة عبر الإنترنت يوجه فيها السباب وتوجه أقذع الألقاب إلى سفراء ووزراء وكتاب فلم تعمد الدولة إلى الإيقاع بهؤلاء كي «لا يستمر أولئك بالخطأ أو يقعوا فيما هو أكبر» رغم أن هذا السلوك من هؤلاء مرفوض.
كان من الممكن أن تعاقب الإدارة الفتيات المسيئات بأساليب أخرى لا تصل إلى هذا العقاب «الهين». وأن تتعاون مع أولياء أمور الطالبات للوصول إلى عقاب رادع غير مدمر.
ثم إن فلسفة العقاب لا تقوم على التشفي أو العقاب الشديد أو العقاب في حد ذاته، ولكنها تعتمد العقاب وسيلة إلى إصلاح المرء لا إلى تدميره وهدم كيانه.
وللأسف أنه في عالمنا العربي السعيد الذي ينتمي بجدارة إلى العالم الثالث الأسعد حيث العقاب مستهدف لذاته نجد أن السجون تخرج مجرمين لا مواطنين صالحين إلا فيما ندر.
إني لأرجو من الدكتور عبدالعزيز الحارثي مدير إدارة تعليم البنات في المنطقة الشرقية أن يتخذ قراراً إنسانياً شجاعاً بإلغاء هذا العقاب واعتماد غيره مما يجرح ولا يدمي ويفيد ولا يهدم، بل لو كنت من إدارة التعليم لبحثت في الموضوع كله إذ ربما كانت بعض المعلمات يسئن إلى الطالبات. فالمعلمات في النهاية بشر يعتورهن ما يعتورنا حتى وإن كنا نهيب بالطالبات أن يقفن لهن.
وأرجو من أولياء أمور الطالبات أن يبذلوا جهدهم لتلافي هذا الموضوع مع إدارة التعليم والوزارة، فإن لم يحدث ما هو مرجو أهيب بهم أن يمارسوا حقوقهم المشروعة بالالتجاء إلى ديوان المظالم أقول هذا مؤكداً أنني لست مع أي طالبة تمارس مثل هذا السلوك كما أنني ضد قرارات على هذا النحو لمعالجة مشكلة من هذا النوع.

د. فهد سعود اليحيى

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved