Friday 24th May,200210830العددالجمعة 12 ,ربيع الاول 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

مبادرة الغاز.. إلى أين؟ مبادرة الغاز.. إلى أين؟
د. صلاح السليمان

لم تكن الأحداث الأخيرة في فلسطين هي السبب في ندرة أخبار مبادرة الغاز السعودية، فقد كان التحفظ والتكتم الإعلامي إحدى السمات التي رافقت المفاوضات منذ الإعلان عنها، لكن الأخبار حينما تأتي تكون وهاجة ومليئة بالرضا حول ما يتم التوصل إليه ومفعمة بالتفاؤل حول ما يمكن ان نتوقعه من نتائج، بل انه تم استعراض حجم الأموال التي سيتم استثمارها والمشاريع التي سيتعهد الطرف الأجنبي بتنفيذها، والأعمال والخدمات التي ستقوم حول تلك المشاريع، وفرص التدريب والعمل الكثيرة التي ستوفرها للسعوديين، كما حددت مناطق الامتياز ومواعيد التواقيع، وفجأة أجلت المواعيد وحلت التلميحات محل التصريحات والتسريبات الصحفية محل البيانات.. فما الذي يحدث؟
إن ما يجري هو انعكاس للمنطلقات المختلفة بل ربما المتضاربة، التي بدأ منها كل طرف والأهداف التي وضعها والمصالح التي يرتجيها، فالسعودية لا تشعر انها بحاجة إلى تلك الشركات، وهذا ما أعلنه وزير البترول السعودي بوضوح في مؤتمر الغاز الذي عقد في ينبع عام 97م، حيث قال إن السعودية ليست بحاجة إلى الشركات الأجنبية فيما يتعلق بالتنقيب والإنتاج، فلديها من خلال شركة أرامكو أفضل الخبرات والتقنية، كما ان من السهل على السعودية توفير التمويل اللازم داخلياً، ويمكن القول ان طرح المبادرة كان قراراً سياسياً بالدرجة الأولى.
واعتبرت تلك المبادرة، وإن كانت خاصة بالغاز فقط والموجه أساساً للسوق المحلية، تنازلاً عن مبدأ ظلت المملكة متمسكة به منذ تملكها الكامل لشركة أرامكو قبل ربع قرن، يتطلب من الشركات الراغبة ما يتعدى التنقيب عن الغاز وإنتاجه، إلى الاستثمار في الصناعات والمرافق المستهلكة له، أما الشركات الأجنبية فقد رحبت بمبادرة الغاز ولم تخف ان هدفها النهائي هو البترول، ولما تأكدت ان هذا القطاع بالذات بعيد المنال بدأت بوضع شروط تعجيزية، منها المطالبة بضمان أرباح عالية على استثماراتها، ومن اللافت للنظر ان تراجع زخم المفاوضات جاء بعد أحداث 11 سبتمبر، ومن المؤكد ان الشركات الأجنبية تحاول الاستفادة مما حدث وربما تعتقد ان بإمكانها ابتزاز المفاوض السعودي.
من الواضح ان المفاوضات الطويلة لم تنجح بوضع معادلة ترضي الطرفين، وربما كان الطرفان مقتنعين بأن ذلك غير ممكن، وانه لا جدوى من الاستمرار في المفاوضات، لكن لا أحد يريد أن يتحمل مسؤولية انهاء المبادرة، وفي حين تستطيع الشركات الأجنبية التفاوض لمدة طويلة، فإن الجانب السعودي لا يستطيع تأجيل مشاريعه الحيوية التي إن لم تنفذ من خلال تلك المبادرة فلا بد من تنفيذها في وقتها من خلال برامج أخرى، وعليه إما ان يقدم التنازلات المطلوبة لتلك الشركات أو ان يسير في مسارين متوازيين: الاستمرار في المفاوضات من جهة وتنفيذ برامجه البديلة من جهة ثانية، ومما يسهل المهمة ان جميع المشاريع المرتبطة بتلك المبادرة يمكن تنفيذها بالاعتماد على الموارد والقدرات المحلية، بنفس الكفاءة والسرعة أو أفضل، ولم لا ولدى المملكة أكبر شركة للبترول والغاز في العالم، وتملك أكبر تجربة في العالم في مجال تحلية المياه وخبرة أكبر شركة للكهرباء في المنطقة، وواحدة من أكبر شركات البتروكيماويات في العالم، وجميعها قامت وتقوم بتنفيذ مشاريع مماثلة أو أكبر مما تضمنته المبادرة؟
إن تكامل تلك الخبرات مع رؤوس الأموال الخاصة قادر على تطوير البديل وتحقيق الأهداف المرجوة دون ان تضطر المملكة إلى وضع جزء هام من مصادر دخلها ومصانعها ومرافقها، تحت هيمنة شركات عجزت دولها العظمى عن السيطرة عليها، وأثبتت تجربة المملكة انها تستطيع العمل بشكل أفضل بدونها، كما دلت تجارب دول أخرى ان ضررها أكثر من نفعها.. والله من وراء القصد.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved